فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْقَلَمَ عَنْهُ مَرْفُوعٌ لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ مِنْهُ فَكَانَ الْقَلَمُ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَجْنُونِ بِعِلَّةٍ أَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِقَوْلِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمُهُ بِفِعْلِهِ بِمُوجِبِ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَأَنَّ الْحَجَّ لَا يَلْزَمُهُ بِفِعْلِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْمَجْنُونِ أَنَّ إِفَاقَتَهُ مَرْجُوَّةٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ لِجَوَازِ أَنْ يُفِيقَ فَيُحْرِمَ بِنَفْسِهِ وَبُلُوغُ الطِّفْلِ غَيْرُ مَرْجُوٍّ إِلَّا في وقه فَجَازَ أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ إِذَا لَيْسَ يُرْجَى أَنْ يَبْلُغَ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَيُحْرِمَ بِنَفْسِهِ هَذَا مَعَ مَا يَفْتَرِقَانِ فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ فَيَجُوزُ إِذْنُ الصَّبِيِّ فِي دُخُولِ الدَّارِ وَقَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِنْهُ إِذَا كَانَ رَسُولًا فِيهَا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنَ الْمَجْنُونِ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الصَّلَاةِ بِعِلَّةِ أَنَّهَا عِبَادَةٌ عَنِ الْبَدَنِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَنُوبَ الْكَبِيرُ فِيهَا عَنِ الصَّغِيرِ فَالْمَعْنَى فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيهَا النِّيَابَةُ بِحَالٍ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِلْوَلِيِّ أن يحرم بالصلاة من الطِّفْلِ وَلَمَّا كَانَ الْحَجُّ مِمَّا يَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ جَازَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ عَنِ الطِّفْلِ.
فَصْلٌ
: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الصَّبِيَّ يَصِحُّ مِنْهُ الْحَجُّ وَيَكُونُ حَجًّا شَرْعِيًّا فَلَا يَصِحُّ حَجُّهُ إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مُرَاهِقًا مُطِيقًا أَذِنَ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ وَإِنْ كَانَ طِفْلًا لَا يُمَيِّزُ أَحْرَمَ عَنْهُ فَإِنْ أَحْرَمَ الصَّبِيُّ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ فَفِي إِحْرَامِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ ذَكَرَهُ فِي " الزِّيَادَاتِ " أَنَّ إِحْرَامَهُ مُنْعَقِدٌ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ كَمَا يَنْعَقِدُ إِحْرَامُهُ بِالصَّلَاةِ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ إِحْرَامَهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ يَتَضَمَّنُ إِنْفَاقَ الْمَالِ وَالتَّصَرُّفَ فِيهِ فَيَجْرِي مَجْرَى تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ الَّذِي لَا يَصِحُّ إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ ومجرى سَائِرِ عُقُودِهِ الَّتِي لَا تَصِحُّ بِغَيْرِ إِذْنِ وليه وخالف الإحرام بالصلاة التي لا تتضمن اتفاق فَجَازَ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ.
فَصْلٌ
: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ إِحْرَامَهُ لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ فَالْأَوْلِيَاءُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: ذَوُو الْأَنْسَابِ.
وَالثَّانِي: أُمَنَاءُ الْحُكَّامِ.
وَالثَّالِثُ: أَوْصِيَاءُ الْأَبَاءِ، فَأَمَّا ذَوُو الْأَنْسَابِ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَنْ يَصِحُّ إِذْنُهُ.
وَالثَّانِي: مَنْ لَا يَصِحُّ إِذْنُهُ.
وَالثَّالِثُ: مَنِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي صِحَّةِ إِذْنِهِ فَأَمَّا مَنْ يَصِحُّ إِذْنُهُ فَهُمُ الْآبَاءُ وَالْأَجْدَادُ مِنْ قِبَلِ الْآبَاءِ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَأَمَّا مَنْ لَا يَصِحُّ إِذْنُهُ فَهُمْ مَنْ لَا وِلَادَةَ فِيهِ