للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: قَبْلَهُ، فَإِنِ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهِ بَعْدَ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا إِلَيْهِ فَلَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي حَالِهِ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِهِ أُخِذَ جَبْرًا بِدَفْعِهِ وَحُبِسَ بِهِ إِنْ مَطَلَ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا بِهِ فَفِي اسْتِحْقَاقِهَا لِفَسْخِ، نكاحه قولان، وإن كان ذلك قبل التسليم نَفْسِهَا، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا بِهِ فَلَهَا خِيَارُ الْفَسْخِ، فَإِنْ رَضِيَتْ بِعُسْرَتِهِ كَانَ لَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا مَعَ الْعُسْرَةِ إِلَى أَنْ تقبض الصداق، ولا يكون رضاها بالعسرة سقطاً لِحَقِّهَا مِنَ الِامْتِنَاعِ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى أَعَادَ الشَّافِعِيُّ ذِكْرَهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ لِئَلَّا يَسْتَهْلِكَ بَعْضَهَا بِغَيْرِ بَدَلٍ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا لَمْ يُفْسَخْ وَيُؤْخَذَ جَبْرًا بِدَفْعِهِ، وَلَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا حَتَّى تَقْبِضَهُ، فَإِنْ تَمَانَعَا وَقَالَ الزَّوْجُ: لَا أَدْفَعُ الصَّدَاقَ إِلَّا بَعْدِ التَّسْلِيمِ وَقَالَتْ: لَا أُسَلِّمُ نَفْسِي إِلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ كَتَمَانُعِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ، فَفِيهِ قَوْلَانِ، وَإِنْ كَانَ فِي تَمَانُعِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَرْبَعَةُ أَقَاوِيلَ، أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ: إِنَّهُ يَقْطَعُ التَّخَاصُمَ بَيْنَهُمَا وَيَقُولُ لِكُلٍّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا حَقٌّ فِي الِامْتِنَاعِ فَإِنْ سَلَّمْتِ أَيَّتُهَا الزَّوْجَةُ نَفْسَكِ أُجْبِرَ الزَّوْجُ عَلَى دَفْعِ صَدَاقِكِ، وَإِنْ بَدَأَ الزَّوْجُ بِدَفْعِ الصَّدَاقِ أُجْبِرَتِ الزَّوْجَةُ عَلَى تَسْلِيمِ نَفْسِهَا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ الْحَاكِمَ يُجْبِرُ الزَّوْجَ عَلَى تَسْلِيمِ الصَّدَاقِ إِلَى عَدْلٍ يَكُونُ أَمِينًا لَهُمَا فَإِذَا يحصل الصَّدَاقُ عِنْدَهُ أَجْبَرَ الزَّوْجَةَ عَلَى تَسْلِيمِ نَفْسِهَا إِلَى الزَّوْجِ، فَإِذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إِلَيْهِ دَفَعَ الأمين الصداق إليها والله أعلم بالصواب.

(نَفَقَةِ الَّتِي لَا يَمْلِكُ زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا وَغَيْرُ ذلك)

[(مسألة)]

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ من وجدكم} وَقَالَ تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يضعن حملهن} فَلَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ لَهَا نَفَقَةً بِالْحَمْلِ دَلَّ عَلَى أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا بِخِلَافِ الْحَمْلِ ولا أعلم خلافاً أن التي يملك رجعتها في معاني الأزواج في أن عليه نفقتها وسكناها وأن طلاقه وإيلاءه وظهاره ولعانه يقع عليها وأنها ترثه ويرثها فكانت الآية على غيرها من المطلقات وهي التي لا يملك رجعتها وبذلك جاءت سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في فاطمة بنت قيس بت زوجها طلاقها فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقال " ليس لك عليه نفقة " وعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قال " نفقة المطلقة ما لم تحرم " وعن عطاء ليست المبتوتة الحبلى منه في شيء إلا أنه ينفق عليها من أجل الحبل فإن كانت غير حبلى فلا نفقة لها ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لِلْمُطَلَّقَةِ حَالَتَانِ: رَجْعِيَّةٌ وَمَبْتُوتَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>