أَصْلُهُ إِذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِجَارِيَةٍ وَتَقَابَضَا ثُمَّ تَلِفَتِ الْجَارِيَةُ وَوَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَلَهُ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ وَاسْتِرْجَاعُ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ لِفَسْخِ الْعَقْدِ بَعْدَ تَلَفِهَا كَمَا كَانَ لَهُ فَسْخُهُ مَعَ بَقَائِهَا.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَدْ مَضَى فِي مُعَارَضَةِ خبرِنا.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْعَيْبَ فِيمَا تَلَفَ يُقْدَرُ عَلَى اسْتِدْرَاكِ ظُلَامَتِهِ بِالْأَرْشِ فَلَمْ يَفْسَخْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي اخْتِلَافِهِمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِدْرَاكِ ظُلَامَتِهِ إِلَّا بِالتَّحَالُفِ فَجَازَ أَنْ يَتَحَالَفَا مَعَ التَّلَفِ. وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ إِنَّ السِّلْعَةَ بَعْدَ تَلَفِهَا لَا تَقْبَلُ الْفَسْخَ كَمَا لَا يَقْبَلُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ وَإِنْ أَقَالَهُ الْعَبْدُ الْآبِقُ لَا تَصِحُّ وَلَا تُقْبَلُ الْإِقَالَةَ كَمَا لَا يُقْبَلُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ يَقُولُ فِيمَنِ ابْتَاعَ عَبْدًا وَقُتِلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ وَيَسْتَرْجِعَ الثَّمَنَ أَوْ يُقِيمَ عَلَى الْبَيْعِ وَيَأْخُذَ مِنَ الْقَاتِلِ قِيمَةَ الْعَبْدِ فَقَدْ جَعَلَ الْعَقْدَ بَعْدَ التَّلَفِ قَابِلًا لِلْفَسْخِ كَذَلِكَ فِيمَا جَعَلْنَا أَصْلًا مَعَهُ مِنْ بَيْعِ الْعَبْدِ بِالْجَارِيَةِ إِذَا تَلَفَتْ وَوَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا أَنَّ لَهُ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ وَاسْتِرْجَاعَ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ فَجَعَلَ الْعَقْدَ بَعْدَ التَّلَفِ قَابِلًا لِلْفَسْخِ كَمَا كَانَ قَبْلَ التَّلَفِ وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ يَنْقُضَانِ الْعِلَّةَ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَلَى قِيَاسِهِمْ عَلَى خِيَارِ الثَّلَاثِ فَحُكْمُ الْأَصْلِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَلَمْ تَسْلَمْ. فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ الْمَقْبُوضَ عَنِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ دُونَ الْقِيمَةِ فَهُوَ أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ بَاطِلٌ بِمُبْتَاعِ الْعَبْدِ بِالْجَارِيَةِ إِذَا تَلَفَتْ وَوَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا لِأَنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ كَانَتْ مَضْمُونَةً بِالْعَبْدِ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ ثُمَّ صَارَتْ بَعْدَ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ مَضْمُونَةً بِالْقِيمَةِ دُونَ الثَّمَنِ. فَأَمَّا من جعل القول في اختلاف المتبايعين قَوْلَ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ عَلَى مِلْكِهِ فَيُقَابَلُ بِمِثْلِهِ. فَيُقَالُ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الثَّمَنَ عَلَى مِلْكِهِ فَتَسَاوَى الْقَوْلَانِ وَبَطَلَ التَّعْلِيلُ.
وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ فَيُقَابَلُ أَيْضًا بِمِثْلِهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِسِلْعَةِ الْبَائِعِ فَتَسَاوَى الْقَوْلَانِ وَسَقَطَ التَّعْلِيلُ.
وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَ مَنِ السِّلْعَةُ فِي يَدِهِ فَيُقَابِلُ أيضا بمثله فيقال ها هنا سِلْعَةٌ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَثَمَنٌ فِي يَدِ الْآخَرِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنِ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ فَيَتَسَاوَى الْقَوْلَانِ، وَيَسْقُطُ التَّعْلِيلُ وَلَمَّا كَانَ التَّعْلِيلُ لِهَذِهِ الْمَذَاهِبِ كُلِّهَا مُتَقَابِلًا فِي الْجِهَتَيْنِ لَمْ يَرْجِعْ قَوْلُ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَصَحَّ مَذْهَبُنَا فِي تَحَالُفِهِمَا لِتَسَاوِي حُكْمِهِمَا وَاللَّهُ أعلم.
[فصل:]
فأما إذا اختلف المتبايعان فِيمَا قَدْ يَخْلُو مِنْهُ الْعَقْدُ كَالْأَجَلِ إِذَا دعاه أَحَدُهُمَا وَنَفَاهُ الْآخَرُ أَوِ اتَّفَقَا عَلَى الْأَجَلِ فِي قَدْرِهِ وَاخْتَلَفَا فِي الْخِيَارِ إِذَا ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا وَنَفَاهُ الْآخَرُ أَوِ اتَّفَقَا عَلَى الْخِيَارِ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ أَوِ اخْتَلَفَا فِي الرَّهْنِ أَوِ الضَّمِينِ إِذَا ادَّعَاهُ وَنَفَاهُ الْآخَرُ أَوِ اتَّفَقَا عَلَى الرَّهْنِ وَاخْتَلَفَا فِي تَقْدِيرِهِ فَعِنْدَنَا أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ كَمَا يَتَحَالَفَانِ فِي اخْتِلَافِهِمَا فِي الثمن والمثمن.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute