فَكُلُّهُ سَوَاءٌ وَالْحَجُّ مُجْزِئٌ وَعَلَى الْأَجِيرِ دَمٌ لِتَرْكِهِ الْإِحْرَامَ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أُمِرَ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ، فَإِذَا قِيلَ إِنَّمَا يَجِبُ الدَّمُ فِيمَنْ جَاوَزَ مِيقَاتَ الشَّرْعِ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يُجَاوِزْ ميقات الشرع وإنما جاوز العقد المستحق ميقات بِالْإِجَارَةِ فَلَا يُوجِبُ دَمًا، قِيلَ: الدَّمُ قَدْ يَجِبُ لِمُجَاوَزَةِ مِيقَاتِ الشَّرْعِ وَغَيْرِهِ إِذَا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ الْإِحْرَامَ مِنَ الْبَصْرَةِ فَأَحْرَمَ بَعْدَهَا لَزِمَهُ دَمٌ لِمُجَاوَزَتِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْإِحْرَامَ مِنْهَا كَذَلِكَ الْأَجِيرُ قَدْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ الْإِحْرَامَ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أُمِرَ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ فَإِذَا جَاوَزَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ لَزِمَهُ دَمٌ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْإِحْرَامِ مِنَ الْمِيقَاتِ فيحرم بعده فالحج مجزي وَعَلَى الْأَجِيرِ دَمٌ وَهَذَا أَوْلَى بِالْإِيجَابِ، لِأَنَّهُ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ اللَّازِمَ بِالشَّرْعِ وَالْعَقْدِ مَعًا.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْإِحْرَامِ بَعْدَ الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمَ بَعْدَ ذلك الموضع كأنه أَمَرَهُ بِالْإِحْرَامِ بَعْدَ الْمِيقَاتِ بِفَرْسَخٍ فَأَحْرَمَ بَعْدَ الْمِيقَاتِ بِفَرْسَخَيْنِ فَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ دَمَانِ دَمٌ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِمُجَاوَزَةِ مِيقَاتِ الشَّرْعِ وَدَمٌ عَلَى الْأَجِيرِ لِمُجَاوَزَةِ مِيقَاتِ الْعَقْدِ فَهَذَا الْكَلَامُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ.
فَصْلٌ
: وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي فِي رَدِّ مَا قَابَلَ قَدْرَ الْمُجَاوَزَةِ مِنَ الْأُجْرَةِ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ هَاهُنَا عَلَيْهِ دَمٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مِنَ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: عَلَيْهِ دَمٌ وَلَمْ يَذْكُرْ رَدَّ شَيْءٍ مِنَ الْأُجْرَةِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَكَانَ بَعْضُهُمْ يُخَرِّجُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لَا يَرُدُّ شَيْئًا مِنَ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّ مَا أَخَلَّ بِهِ مِنَ الْإِحْرَامِ قَدْ جَبَرَهُ بِدَمٍ وَكَانَ الدَّمُ بَدَلًا مِنْهُ فَلَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلٌ ثَانٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يرد الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ، لِأَنَّ الْأُجْرَةَ إِذَا كَانَتْ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ مَعْلُومٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ جَمِيعَهَا إِلَّا بِجَمِيعِ الْعَمَلِ فَإِذَا تُرِكَ بَعْضُ العلم سَقَطَ مِنَ الْأُجْرَةِ مَا قَابَلَهُ كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ فأما الدم فإنما أوجبه الشرع عليها مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِيهِ حَقٌّ فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الْأُجْرَةَ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَيْسَ تَرْكُ ذِكْرِهِ فِي الْقَدِيمِ قَوْلًا ثَانِيًا فَإِنْ قِيلَ لَوْ تَطَيَّبَ الْأَجِيرُ فِي إِحْرَامِهِ أَوْ حَلَقَ وَكَانَ قَدْ أَدْخَلَ فِي إِحْرَامِهِ نَقْصًا وَعَلَيْهِ أَنْ يَجْبُرَهُ بِدَمٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مِنَ الْأُجْرَةِ شَيْئًا فَهَلَّا كَانَ تَارِكُ الْإِحْرَامِ إِذَا جَبَرَهُ بِدَمٍ لَمْ يَرُدَّ مِنَ الْأُجْرَةِ شَيْئًا.
قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الطِّيبَ وَالْحَلْقَ نَقْصٌ فِي ثَوَابِ الْحَجِّ دُونَ عَمَلِهِ وَقَدْ لَزِمَهُ الدَّمُ فَكَانَ جُبْرَانًا لِنَقْصِهِ وَلَمْ يَرُدَّ مِنَ الْأُجْرَةِ شَيْئًا لِكَمَالِ عَمَلِهِ وَنَقْصُ الْإِحْرَامِ نَقْصٌ فِي ثَوَابِ الْحَجِّ وَعَمَلِهِ فَلَزِمَهُ الدَّمُ جُبْرَانًا لِنَقْصِ الثَّوَابِ وَلَزِمَهُ أَنْ يَرُدَّ مِنَ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ جُبْرَانًا لِنَقْصِ الْعَمَلِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مِنَ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ فَفِي اعْتِبَارِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الجديد أنه يعتر بِقِسْطِ الْأُجْرَةِ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ دُونَ الْبَلَدِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ لِتَكُونَ الْأُجْرَةُ مُقَسَّطَةً عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ دُونَ السَّفَرِ الْمُوَصِّلِ إليها.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute