وَرَوَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ حَلَفَ يَمِينًا فَاجِرَةً عَلَى مِنْبَرِي هَذَا، وَلَوْ عَلَى سِوَاكٍ مَنْ أَرَاكٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ " وَمَرَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِقَوْمٍ يُحَلِّفُونَ رَجُلًا بَيْنَ الْبَيْتِ وَالْمَقَامِ فَقَالَ: أَفِي دَمٍ؟ قِيلَ: لَا قَالَ: أَفَعَلَى عَظِيمٍ مِنَ الْمَالِ؟ قِيلَ: لَا، قَالَ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَتَهَاوَنَ النَّاسُ بِهَذَا الْمَكَانِ وَإِذَا تَغَلَّظَتْ بِهِ الْأَيْمَانُ، فَأَوْلَى أَنْ تُغَلَّظَ بِهِ فِي اللِّعَانِ.
أَمَّا تَغْلِيظُهُ بِالزَّمَانِ فَهُوَ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة ١٠٦] قِيلَ: إِنَّهُ أَرَادَ بِهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُكَلِّمُهُمْ رَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا ثُمَّ خَانَهُ وَرَجُلٌ حَلَفَ بَعْدَ الْعَصْرِ يَمِينًا فَاجِرَةً لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، وَرَجُلٌ فَضُلَ عَنْهُ مَاءٌ بِالْفَلَاةِ فَلَمْ يَدْفَعْهُ إِلَى أَخِيهِ ".
وَأَمَّا تَغْلِيظُهُ بِالْجَمَاعَةِ، فَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ جَمَاعَةٌ أَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٢] وَالْعَذَابُ هُوَ الْحَدُّ، فَكَذَلِكَ اللِّعَانُ لِتَعَلُّقِهِ بِهِ، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ رَوَاهُ أَحْدَاثُ الصَّحَابَةِ، كابن عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، وَلَا يَحْضُرُ مِنَ الْأَحْدَاثِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَالْقَضَاءِ إِلَّا مَعَ أَضْعَافِهِمْ مِنْ ذَوِي الْأَسْنَانِ، وَلِيَكُونَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ فِيهِ أَزْجَرَ وَأَرْدَعَ وَلِيَكُونُوا حجة إن تناكر المتلاعنان.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " قَالَ وَيَبْدَأُ فَيُقِيمُ الرَّجُلَ قَائِمًا وَالْمَرْأَة جَالِسَةً فَيَلْتَعِنُ ثُمَّ يُقِيمُ الْمَرْأَة قَائِمَةً فَتَلْتَعِنُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَائِضًا فَعَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. الِابْتِدَاءُ بِلِعَانِ الزَّوْجِ قَبْلَ الزَّوْجَةِ مُسْتَحَقٌّ بِالشَّرْعِ وَهُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ، فَإِنْ تَقَدَّمَتِ الزَّوْجَةُ بِلِعَانِهَا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ.
وقال مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ تَقْدِيمُ الزَّوْجِ مَشْرُوعٌ وَلَيْسَ بِمَشْرُوطٍ، فَإِنْ تَقَدَّمَتِ الزَّوْجَةُ جَازَ، وَكَانَ مُعْتَدًّا بِهِ. وَهَذَا فَاسِدٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: ٨] فَجَعَلَ لِعَانَهَا إِدْرَاءً لِلْعَذَابِ عَنْهَا وَهُوَ الْحَدُّ عِنْدَنَا وَالْحَبْسُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْإِدْرَاءُ عَنْهَا يَكُونُ لِمَا وَجَبَ عَلَيْهَا. وَاخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِهَذَا فِي النَّصِّ الْمُخَالِفِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: نَصُّ التَّنْزِيلِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ التَّعْلِيلِ فِي إِدْرَاءِ الْعَذَابِ عَنْهَا بَعْدَ وجوبه عليها.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute