للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَجَعَلَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ دُخُولِ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ مَحْمُولًا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ الْأَرْضَ بِحُقُوقِهَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْأَرْضِ وَلَوْ قَالَ مِثْلَهُ فِي الرَّهْنِ لَدَخَلَ.

وَجَعَلَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ خُرُوجِ ذَلِكَ مِنَ الرَّهْنِ مَحْمُولًا عَلَى أَنَّهُ قَالَ رَهَنْتُكَ الْأَرْضَ وَلَمْ يَقُلْ بِحُقُوقِهَا فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الرَّهْنِ الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ وَلَوْ فَعَلَ مِثْلَهُ فِي الْبَيْعِ لَمْ يَدْخُلْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ.

وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنْ حَمَلُوا جَوَابَهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَجَعَلُوا الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ دَاخِلًا فِي الْبَيْعِ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَلَمْ يَجْعَلُوهُ دَاخِلًا فِي الرَّهْنِ إِلَّا بِالشَّرْطِ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ بِفَرْقَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ يُزِيلُ الْمِلْكَ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَا اتَّصَلَ بِالْمَبِيعِ تبع لَهُ لِقُوَّتِهِ، وَعَقْدُ الرَّهْنِ يَضْعُفُ عَنْ إِزَالَةِ الْمِلْكِ فَلَمْ يَتْبَعْهُ مَا لَمْ يُسَمِّهِ لِضَعْفِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَا حَدَثَ فِي الْبَيْعِ لِلْمُشْتَرِي جَازَ أَنْ يَكُونَ مَا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ قِبَلِ الْمُشْتَرِي، وَلَمَّا كَانَ مَا حَدَثَ فِي الرَّهْنِ لَا يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مَا تَقَدَّمَ الرَّهْنَ أَوْلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي الرَّهْنِ.

فَصْلٌ:

فَإِذَا ثَبَتَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ فِي الْأَرْضِ مُتَّصِلًا بِهَا مِنْ مُسَمَّيَاتِهَا سواء كان آجُرًّا، أَوْ حِجَارَةً، أَوْ تُرَابًا، وَكَذَا تِلَالُ التُّرَابِ الَّتِي تُسَمَّى بِالْبَصْرَةِ جِبَالًا وَجُوخَاتُهَا وَبَيْدَرُهَا وَقَدْرُهَا وَالْحَائِطُ الَّذِي يَحْظَرُهَا وَسَوَاقِيهَا الَّتِي تَشْرَبُ الْأَرْضُ مِنْهَا وَأَنْهَارُهَا الَّتِي فِيهَا وَعَيْنُ الْمَاءِ إِنْ كَانَتْ فِيهَا فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ هَلْ يَمْلِكُ الْمَاءَ الَّذِي فِيهَا.

فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا يَمْلِكُهُ وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْمَاءُ مَمْلُوكًا بِالْإِجَارَةِ، وَلَوْ كَانَ مَمْلُوكًا مَا جَازَ لِلْمُسْتَأْجِرِ اسْتِعْمَالُهُ وَلَوَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي إِذَا رُدَّ غُرْمُهُ. قَالَ: وَإِنَّمَا يَكُونُ أَوْلَى بِالْمَاءِ لِمَا يستحقه من التصرف في ملكه، وأن له مَنْعَ الْغَيْرِ مِنْ دُخُولِ مِلْكِهِ، فَلَوْ دَخَلَ إِنْسَانٌ فَأَجَارَ مِنْ مَائِهِ صَارَ مَالِكًا لَهُ وَإِنْ تَعَدَّى بِالدُّخُولِ.

وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَدْ مَلَكَ الْمَاءَ الَّذِي يَنْبُعُ مِنْ أَرْضِهِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ عَنْ مِلْكِهِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ فَصَارَ كَالْمَاءِ الَّذِي أَجَازَهُ فِي إِنَاءٍ وَلَوْ أَجَازَ مِنْهُ إِنْسَانٌ شَيْئًا لَمْ يَمْلِكْهُ وَاسْتَحَقَّ انْتِزَاعَهُ مِنْ يَدِهِ وَإِنَّمَا جَازَ لِلْمُسْتَأْجِرِ اسْتِعْمَالُهُ لِأَنَّهُ كَالْمَاءِ دُوِّنَ لَهُ بِالْعُرْفِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُشْتَرِي غُرْمُهُ لِأَنَّ حُكْمَهُ مَوْضُوعٌ عَلَى التَّوْسِعَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ:

فَلَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي ابْتَاعَهَا مَعْدِنٌ كَانَ دَاخِلًا فِي الْبَيْعِ ظَاهِرًا كَانَ أَوْ بَاطِنًا، وَأَمَّا مَا فِي الْمَعْدِنِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>