للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَا يَتَسَرَّى بِحَالٍ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُكَاتَبُ الْإِمَاءَ لِلتِّجَارَةِ وَاكْتِسَابِ الرِّبْحِ، لِأَنَّ التِّجَارَةَ فِيهِنَّ جَائِزَةٌ.

فَإِذَا اشْتَرَى أَمَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَسَرَّى بِهَا، وَيَسْتَمْتِعَ بِإِصَابَتِهَا بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ، لِضَعْفِ حُكْمِهِ وَقُصُورِ تَصَرُّفِهِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي إِصَابَتِهَا وَالتَّسَرِّي بِهَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَبْدِ، هَلْ يَمْلِكُ إِذَا مَلَكَ، أَمْ لَا؟ فَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ، وَإِنْ مَلَكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَسَرَّى، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ، لِأَنَّ التَّسَرِّيَ إِنَّمَا يَصِحُّ فِي مِلْكٍ، وَلَيْسَ الْمُكَاتَبُ مَالِكًا.

وَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ، إِنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ إِذَا مُلِّكَ، فَيَجُوزُ تَسَرِّيهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ قَوْلًا وَاحِدًا، كَالنِّكَاحِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا دَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَيْهِمَا فَاسْتَوَيَا.

وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ خَرَّجَ فِي جَوَازِهِمَا بِإِذْنِ السَّيِّدِ قَوْلَيْنِ كَالْهِبَةِ، وَلَيْسَ هَذَا التَّخْرِيجُ صَحِيحًا، لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْهِبَةَ اسْتِهْلَاكُ مِلْكٍ عَاجِلٍ، وَالنِّكَاحَ وَالتَّسَرِّيَ قَدْ يُفْضِي إِلَى الِاسْتِهْلَاكِ وَلَا يُفْضِي.

وَالثَّانِي: أَنَّ الضَّرُورَةَ مَفْقُودَةٌ فِي الْهِبَةِ، وَقَدْ تُوجَدُ فِي التَّسَرِّي وَالنِّكَاحِ.

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: (فَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ بَعْدَ عِتْقِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَتْ فِي حُكْمِ أُمِّ وَلَدِهِ وَإِنْ وَضَعَتْ لِأَقَلَّ فَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ إِلَّا بِوَطْءٍ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَهُ بَيْعُهَا) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا وَطِئَ الْمُكَاتَبُ أَمَةً، قَدِ اشْتَرَاهَا فِي كِتَابَتِهِ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي وَطْئِهَا، وَلَا مَهْرَ، سَوَاءٌ جَوَّزَ لَهُ ذَلِكَ أَوْ مَنَعَ مِنْهُ، أَمَّا سُقُوطُ الْحَدِّ فَلِوُجُودِ الشُّبْهَةِ فِي تَرَدُّدِهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا أَوْ غَيْرَ مَالِكٍ، وَأَمَّا سُقُوطُ الْمَهْرِ فَلِأَنَّ مَهْرَهَا مِنْ كَسْبِهِ، فَلَمْ يَجِبْ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ مَهْرٌ، فَإِنْ أَحْبَلَهَا وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَهُوَ لَاحِقٌ بِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ مِلْكٍ أَوْ شُبْهَةِ مِلْكٍ، وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْنِ مَمْلُوكَيْنَ، وَلَا يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ أَبَوَيْهِ، وَلَا يُعْتَقُ عَلَى الْأَبِ بِالْمِلْكِ لِبَقَاءِ الْأَبِ عَلَى رِقِّهِ، وَلَيْسَ لِلْأَبِ بَيْعُهُ لِحُرْمَةِ نَسَبِهِ، وَيَكُونُ تَبَعًا لَهُ فِي الْكِتَابَةِ يُعْتَقُ بِعِتْقِهِ، وَيَرِقُّ بِرِقِّهِ، وَهَلْ تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ، لِأَنَّهَا عَلَقَتْ بِهِ وَهُوَ مَمْلُوكٌ، فَلَمْ تَنْتَشِرْ حُرْمَتُهُ إِلَيْهَا، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا فِي كِتَابَتِهِ وَبَعْدَ عِتْقِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا قَدْ صَارَتْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، لِأَنَّ لِوَلَدِهَا فِي الْحَالِ حُرْمَةً تَمْنَعُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>