بِالْحَدِيدِ، وَيُعْتَبَرُ فِيهِ قَدْرُ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ، فَإِنْ تَجَاوَزَهُ إِلَى زِيَادَةٍ فِي الْجِرَاحِ أَوْ إِلَى الْقَتْلِ كَانَ مَأْخُوذًا بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْدَفِعُ إِلَّا بِالْقَتْلِ كَانَ لَهُ قَتْلُهُ، وَإِنْ كَانَ يَنْدَفِعُ عَنْهُ بِجِرَاحَةٍ وَاحِدَةٍ فَجَرَحَهُ جراحتين فمات منها فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ، وَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِرَاحَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا مُبَاحَةٌ لَا تُضْمَنُ، وَالثَّانِيَةُ مَحْظُورَةٌ تُضْمَنُ، وَكَذَلِكَ لَوِ انْدَفَعَ بِجِرَاحِة فَجَرَحَهُ ثَلَاثَ جِرَاحَاتٍ ضَمِنَ نِصْفَ الدِّيَةِ وَكَذَلِكَ لَوِ انْدَفَعَ بِجِرَاحَتَيْنِ فَجَرَحَهُ ثَلَاثًا ضَمِنَ نِصْفَ الدِّيَةِ وَلَا تَتَقَسَّطُ الدِّيَةُ عَلَى أعداد الجراح، إنما تَتَقَسَّطُ عَلَى أَحْكَامِهَا فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ كَالْمُرْتَدِّ إِذَا جُرِحَ فِي حَالِ الرِّدَّةِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَكَالشَّرِيكَيْنِ فِي الْجِرَاحِ إِذَا جُرِحَ أَحَدُهُمَا جِرَاحَةً وَجُرِحَ الْآخَرُ عَشْرًا، كَانَا فِي الدِّيَةِ سَوَاءً، وَهَكَذَا لَوِ انْدَفَعَ بِقَطْعِ إِحْدَى يَدَيْهِ فَعَادَ بعد قطعهما وَقَطَعَ الْيَدَ الْأُخْرَى ضَمِنَهَا، فَإِنْ سَرَى الْقَطْعُ إِلَى نَفْسِهِ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ، وَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وإن انْدَمَلَ الْقَطْعُ كَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي الْيَدِ الثَّانِيَةِ أَوْ دِيَتُهَا، وَلَا يَجُوزُ إِذَا وَلَّى الطَّالِبُ مُدْبِرًا أَنْ يُتْبَعَ بِجِرَاحٍ وَلَا قَتْلٍ، ويكون ما فعله المطلوب بعد إدلائه عَنْهُ الطَّالِبَ مِنْ جِرَاحٍ وَقَتْلٍ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، كَالْمُحَارِبِينَ إِذَا وَلَّوْا عَنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَالْبُغَاةِ إِذَا أَدْبَرُوا عَنِ الْقِتَالِ.
(فَصْلٌ)
وَالْحُكْمُ الرَّابِعُ فِي جَوَازِ الدَّفْعِ وَوُجُوبِهِ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَطْلُوبِ، وَيَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا جَازَ وَلَمْ يَجِبْ وَهُوَ طَلَبُ الْمَالِ، فَالْمَطْلُوبُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ مَالِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُمَكَّنَ مِنْهُ وَلَا يَدْفَعَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ بَذْلَ الْمَالِ مُبَاحٌ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا وَجَبَ الدَّفْعُ عَنْهُ، وَهُوَ مَنْ أُرِيدَ مِنْهُ قَتْلُ غَيْرِهِ مِنْ وَلَدٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ أُرِيدَ مِنْ أَحَدِهِمُ الْفَاحِشَةُ فَالدَّفْعُ عَنْهُ وَاجِبٌ، وَفِي الْإِمْسَاكِ عَنْهُ مَأْثَمٌ؛ لِأَنَّ إِبَاحَةَ ذَلِكَ مَحْظُورٌ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا اخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ وَجَوَازِهِ، وَهُوَ إِذَا أُرِيدَتْ نَفْسُهُ، وَهَذَا مُعْتَبَرٌ بِالطَّالِبِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ زَاجِرٌ مِنْ نَفْسِهِ كَالْبَهِيمَةِ وَالْمَجْنُونِ، فَوَاجِبٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ، وَيَكُونُ فِي الْكَفِّ كَالْإذُنِ في قتل نفسه، وإن كان الطالب من يَزْجُرُهُ عَنِ الْقَتْلِ عَقْلٌ وَدِينٌ كَالْمُكَلَّفِ مِنَ الْآدَمِيِّينَ فَفِي وُجُوبِ الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ وَجْهَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ:
أَحَدُهُمَا: يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ وَيَكُونُ آثِمًا بِالْكَفِّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩] وَلِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُ نَفْسِهِ وَإِبَاحَةُ قَتْلِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ لَهُ الدَّفْعُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَفَّ لَمْ يَأْثَمْ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ابْنَيْ آدَمَ: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute