أَحَدُهُمَا: إِنَّ الْمُزَنِيَّ يَبْنِي هَذَا عَلَى أَصْلٍ لَمْ يُخَالَفْ فِيهِ، وَهُوَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ إِذَا نَصَّ عَلَى قَوْلَيْنِ ثُمَّ عَمِلَ بِأَحَدِهِمَا، أَنَّهُ يَكُونُ إِبْطَالًا لِلْقَوْلِ الْآخَرِ.
وَعِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ إِبْطَالًا لِلْآخَرِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ تَرْجِيحًا لَهُ عَلَى الْآخَرِ.
وَالْجَوَابُ الثَّانِي: إِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَهْلِ مَذْهَبِهِ فِي نَظَائِرِهَا، وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْبَيِّنَتَيْنِ، فَإِنْ تَقَدَّمَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى حُكِمَ بِالْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْمُتَأَخِّرَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ بَيِّنَةُ الصَّدَاقِ، أَوْ بَيِّنَةُ الِابْتِيَاعِ، لِفَسَادِ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ، وَإِنْ أَشَكَلَ كَانَتْ عَلَى الْأَقَاوِيلِ الثَّلَاثَةِ فِي إِسْقَاطِهَا فِي أَحَدِهِمَا. وَالْإِقْرَاعِ بَيْنَهُمَا فِي الثَّانِي، وَاسْتِعْمَالِهَا فِي الثَّالِثِ، وَجَعَلَ نِصْفَ الدَّارِ صَدَاقًا، ونصفهما ابْتِيَاعًا، فَلَمْ يَسْلَمْ لَهُ دَلِيلٌ وَلَا صَحَّ له استشهاد. والله أعلم.
[(مسألة)]
: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوْ كَانَتْ دَارٌ فِي يَدَيْ أَخَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ فَأَقَرَّا أَنَّ أَبَاهُمَا هَلَكَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا كُنْتُ مُسْلِمًا وَكَانَ أَبِي مُسْلِمَا وَقَالَ الْآخَرُ أَسْلَمْتُ قَبْلَ مَوْتِ أَبِي فَهِيَ لِلَّذِي اجْتَمَعَا عَلَى إِسْلَامِهِ وَالْآخَرُ مُقِرٌّ بِالْكُفْرِ مُدَّعٍ الْإِسْلَامَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ مَاتَ مُسْلِمًا، وَتَرَكَ ابْنَيْنِ أَحَدُهُمَا مُتَّفَقٌ عَلَى إِسْلَامِهِ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ، وَاخْتَلَفَا فِي إِسْلَامِ الْآخَرِ فَقَالَ الْآخَرُ: أَسْلَمْتُ أَنَا قَبْلَ مَوْتِ أَبِي. فَالتَّرِكَةُ بَيْنَنَا.
وَقَالَ الْمُسْلِمُ: بَلْ أَسْلَمْتَ أَنْتَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي فَالتَّرِكَةُ دُونَكَ، وَالْبَيِّنَةُ مَعْدُومَةٌ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ مَنِ ادَّعَى تَقَدُّمَ إِسْلَامِهِ إِذَا أَنْكَرَهُ أَخُوهُ لِأَنَّنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ حُدُوثِ إِسْلَامِهِ، وَفِي شَكٍّ مِنْ تَقَدُّمِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ أَخِيهِ، الَّذِي أَنْكَرَ تَقَدُّمَ إِسْلَامِهِ، لِأَنَّه يُسْتَصْحَبُ فِيهِ اسْتِدَامَةُ أَصْلٍ مُتَحَقَّقٍ، بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ الْآخَرُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْأَخُ صَادِقًا فِي دَعْوَاهُ، وَيَمِينِهِ عَلَى الْعِلْمِ دُونَ الْقَطْعِ بِاللَّهِ، أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ أَخَاهُ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ لِأَنَّها يَمِينُ نَفْيٍ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ.
وَهَكَذَا لَوْ مَاتَ حَرٌّ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ، أَحَدُهُمَا مُتَّفَقٌ عَلَى حُرِّيَّتِهِ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ وَالْآخَرُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَادَّعَى تَقَدُّمَ عِتْقِهِ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ، لِيَكُونَا شَرِيكَيْنِ فِي مِيرَاثِهِ، وَادَّعَى الْحُرُّ أَنَّ أَخَاهُ أُعْتِقَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِجَمِيعِ الْمِيرَاثِ، كَانَ الْقَوْلُ مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ. قَوْلُ الْحُرِّ مَعَ يَمِينِهِ، بِاللَّهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ أَخَاهُ أُعْتِقَ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ، وَهُوَ أَحَقُّ بِجَمِيعِ الْمِيرَاثِ بَعْدَ يمنيه، لِأَنَّه يَسْتَصْحِبُ أَصْلَ رِقٍّ مَعْلُومٍ، لَمْ يُدَّعَ تَقَدُّمُ هَذَا إِذَا كَانَ مَوْتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute