للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهُمْ إِنْ أَوْصَى لَهُ بِهِمْ وَيَكْتَسِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَيَأْخُذُ فَضْلَ كَسْبِهِمْ وَمَا أَفَادُوا فَإِنْ مَرِضُوا أَوْ عَجِزُوا عَنِ الْكَسْبِ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا أَوْصَى لِلْمُكَاتَبِ بِابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ أَوْ وُهِبَا لَهُ جَازَ لَهُ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ، إِذَا كَانَ وَالِدُهُ أَوْ وَلَدُهُ مُكْتَسِبًا، سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي الْقَبُولِ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ لِأَنَّهُ مَا أَتْلَفَ بِالْقَبُولِ مَالًا، وَلَا اسْتَفَادَ بِهِ كَسْبًا، فَإِذَا مَلَكَهُمْ بِالْقَبُولِ لَمْ يَعْتِقُوا،

وَكَانُوا تَبَعًا لَهُ فِي الْعِتْقِ وَالرِّقِّ، وَيُنْفِقُ عليهم من أكسابهم ويملك ما فضل من نَفَقَتِهِمْ، فَإِنْ مَرِضُوا أَوْ تَعَرَّضُوا لِلْكَسْبِ فَلَمْ يَكْتَسِبُوا أَنَفَقَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَالْمُكَاتَبُ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ، قِيلَ: لَيْسَ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ بِالنَّسَبِ، وَإِنَّمَا تَلْزَمُهُ نَفَقَاتُهُمْ بِالْمِلْكِ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ مَنْ وُصِّيَ بِهِ فمِنْهُمْ غَيْرَ مُكْتَسِبٍ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ زَمِنًا، وَوَلَدُهُ طِفْلًا، فَفِي جَوَازِ قَبُولِهِمْ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَهُمْ، لِأَنَّ اسْتِهْلَاكَ مَالِهِ فِي نَفَقَاتِهِمْ كَاسْتِهْلَاكِهِ فِي أَثْمَانِهِمْ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَهُمْ لِجَوَازِ أَنْ تَحْدُثَ لَهُمْ أَكْسَابٌ بِغَيْرِ عَمَلٍ، وَرُبَّمَا صَحُّوا فَصَحَّ مِنْهُمُ الْعَمَلُ، وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالظَّاهِرِ مِنْ أَحْوَالِهِمْ وَقْتَ الْقَبُولِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْجَوَازِ مِمَّا قَدْ يَكُونُ ولا يكون.

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَإِنْ جَنَوْا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْدِيَهُمْ وَبِيعَ مِنْهُمْ بِقَدْرِ جِنَايَاتِهِمْ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّ مَا يَفْدِيهِمْ بِهِ إِذَا جَنَوْا كَالثَّمَنِ الْمَصْرُوفِ فِي ابْتِيَاعِهِمْ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنَ ابتياعهم، فكذلك يمنع من افتدائهم، ويباعوا فِي جِنَايَاتِهِمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ الْمُكَاتَبُ وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْعُهُمْ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَبِيعُهُمْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَصَارَ فِي بَيْعِهِمْ كَالْوَكِيلِ فَإِنْ كَانَتْ جِنَايَاتُهُمْ تَسْتَوْعِبُ أَثْمَانَهُمْ بِيعَ جَمِيعُهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ بِيعَ مِنْهُمْ بِقَدْرِ جِنَايَاتِهِمْ وَكَانَ الْبَاقِي مِنْهُمْ عَلَى مِلْكِ الْمُكَاتَبِ يُعْتَقُ بِعِتْقٍ وَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ بَاقِي الرِّقِّ.

فَصْلٌ

فَأَمَّا الْجِنَايَةُ عَلَيْهِمْ فَهِيَ لِلْمُكَاتَبِ، فَإِنْ أَوْجَبَتِ الْقَوَدَ فَالْخِيَارُ لَهُ دُونَهُمْ، وَإِنْ أَوْجَبَتِ الْمَالَ فَهُوَ لِلْمُكَاتَبِ دُونَ السَّيِّدِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي كِتَابَتِهِ إِلَّا أَنْ يعجز فيكون لسيده.

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ فَإِنْ قِيلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>