أَحَدُهُمَا: أَنْ يَفْعَلَا ذَلِكَ مَعًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَكُونَا جَمِيعًا قَاتِلَيْنِ، وَيَجِبُ الْقَوَدُ عَلَيْهِمَا، وَتُؤْخَذُ الدِّيَةُ مِنْهُمَا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَتَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَيَوْجَئَهُ ثُمَّ يَتْلُوهُ الْآخَرُ مَعَ بَقَاءِ النَّفَسِ وَوُجُودِ الْحَرَكَةِ فَيَوْجَئَهُ حَتَّى يَطْفَأ وَيَبْرُدَ، فَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا هُوَ الْقَاتِلُ، وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ وَجَمِيعُ الدِّيَةِ، دُونَ الثَّانِي: لِأَنَّ فَوَاتَ الْحَيَاةِ مَنْسُوبٌ إِلَى فِعْلِ الْأَوَّلِ وَلَا يَجْرِي عَلَى مَا بَقِيَ مِنَ النَّفَسِ وَالْحَرَكَةِ حُكْمُ الْحَيَاةِ، وَلَوْ مَاتَ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَيِّتٌ لَمْ يَرِثْهُ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِمَالٍ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَلَوِ انْقَلَبَ عَلَى طِفْلٍ فَقَتَلَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَيُعَزَّرُ الثَّانِي أَدَبًا وَزَجْرًا.
(فَصْلٌ)
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَارِحًا أَوْ قَاطِعًا غَيْرَ مُوجٍ فَيَكُونُ جَمِيعُهُمْ قَتَلَهُ سَوَاءٌ اجْتَمَعُوا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَوْ تفرقوا، وسواء اتفقوا في عدد الجرح أَوِ اخْتَلَفُوا حَتَّى لَوْ جَرَحَهُ أَحَدُهُمْ جِرَاحَةً وَاحِدَةً، وَجَرَحَهُ الْآخَرُ مِائَةَ جِرَاحَةٍ، كَانُوا فِي قَتْلِهِ سَوَاءً وَعَلَيْهِمُ الْقَوَدُ وَالدِّيَةُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، لَا عَلَى عَدَدِ الْجِرَاحِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَمُوتَ مِنَ الجُرْحِ الْوَاحِدِ، وَيَحْيَا مِنْ مِائَةِ جُرْحٍ، إِمَّا لِاخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ الْقَاتِلَةِ، وَإِمَّا لِاخْتِلَافِ مَوْرِ الْحَدِيدِ فِي دُخُولِهِ فِي جَسَدِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُشَاهَدٍ.
فَلِهَذَيْنِ لَمْ تُقَسَّطِ الدِّيَةُ عَلَى عدد الجراح، وتقسطت على عدد الجناة الْجِنَايَةُ.
فَإِنْ قِيلَ: أَفَلَيْسَ الْجَلَّادُ لَوْ حَدَّ الْقَاذِفَ أَحَدًا وَثَمَانِينَ سَوْطًا فَمَاتَ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الدِّيَةِ جُزْءٌ مِنْ إِحْدَى وَثَمَانِينَ جُزْءًا فَهَلَّا كَانَ الْجُنَاةُ فِي أَعْدَادِ الْجِرَاحِ كَذَلِكَ؟ قِيلَ: فِي الْجَلَّادِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ لِفَوَاتِ النَّفْسِ مِنْ وَجْهَيْنِ، مُبَاحٌ، وَمَحْظُورٌ، وَلَا اعْتِبَارَ بِعَدَدِ الْجَلْدِ، وَتَسَاوِي حُكْمِ الْجُنَاةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَتَقَسَّطُ الدِّيَةُ عَلَى عَدَدِ الْجَلْدِ وَلَا تَتَقَسَّطُ عَلَى أَعْدَادِ الْجِرَاحِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ مَحَلَّ الْجَلْدِ مُشَاهَدٌ يُعْلَمُ بِهِ التَّسَاوِي فَتَقَسَّطَتِ الدِّيَةُ عَلَى عَدَدِهِ وَمَوْرُ الْجِرَاحِ غَيْرُ مُشَاهَدٍ لَا يُعْلَمُ بِهِ التَّسَاوِي فَلَمْ تَتَقَسَّطِ الدِّيَةُ فِيهِ عَلَى عَدَدِهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا جَارِحًا، وَالْآخَرُ مُوجٍ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَقَدَّمَ الْجَارِحُ عَلَى الْمُوجِي فَيُؤْخَذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحُكْمِ جِنَايَتِهِ، فَيَكُونُ الْأَوَّلُ جَارِحًا فَيُقْتَصَّ مِنْهُ فِي الجراح، إن كان مثله قصاص أَوْ يُؤْخَذُ مِنْهُ دِيَتُهُ، إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قِصَاصٌ، وَيَكُونُ الثَّانِي قَاتِلًا يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي النَّفْسِ، أَوْ تُؤْخَذُ مِنْهُ جَمِيعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute