للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَدُوِّ وَالذَّبِّ عَنِ الْبَيْضَةِ، وَالْمَنْعِ مِنَ الْحَرِيمِ، لِأَنَّهُمُ الْقَائِمُونَ بِذَلِكَ بَعْدَ الرَّسُولِ فَمَلَكُوا بَعْدَهُ مَا كَانَ لَهُ، وَجُمْلَةُ الْمُجَاهِدِينَ ضَرْبَانِ: مُرْتَزِقَةٌ، وَمُتَطَوِّعَةٌ.

فَأَمَّا الْمُرْتَزِقَةٌ فَهُمُ الَّذِينَ فَرَّغُوا أَنْفُسَهُمْ لِلْجِهَادِ فَلَمْ يُشَّاغَلُوا إِلَّا بِهِ، وَثَبَتُوا فِي الدِّيوَانِ فَصَارُوا جَيْشًا لِلْمُسْلِمِينَ وَمُقَاتِلَةً لِلْمُشْرِكِينَ فَهَؤُلَاءِ يُرْزَقُونَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْفَيْءِ، وَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي الصَّدَقَاتِ وَأَمَّا الْمُتَطَوِّعَةُ فَهُمْ أَرْبَابُ الْمَعَائِشِ وَالصَّنَائِعِ وَالْأَعْرَابُ الَّذِينَ يَتَطَوَّعُونَ بِالْجِهَادِ إِنْ شَاءُوا وَيَقْعُدُونَ عَنْهُ إِنْ أَحَبُّوا، وَلَمْ يَثْبُتُوا فِي الدِّيوَانِ، وَلَا جُعِلَ لَهُمْ رِزْقٌ فَهَؤُلَاءِ يُعْطَوْنَ مِنَ الصَّدَقَاتِ مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ، وَلِهَذَا تَمَيَّزَ أَهْلُ الصَّدَقَةِ عَنْ أَهْلِ الْفَيْءِ وَقَدْ كَانَ الْمُتَطَوِّعَةُ يُسَمَّوْنَ أَعْرَابًا، وَيُسَمَّى الْمُقَاتِلَةُ مُهَاجِرِينَ فَتَمَيَّزُوا بِهَذَيْنِ الِاثْنَيْنِ لِتَمَيُّزِهِمْ فِي الْمَالَيْنَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

(قَدْ حَسَّهَا اللَّيْلُ بِعُصْلُبِيٍّ ... أَرْوَعَ خَرَّاجٍ من الدادي)

(مُهَاجِرٍ لَيْسَ بِأَعْرَابِيِّ)

فَصْلٌ:

وَإِذْ قَدْ تَمَيَّزَ أَهْلُ الْفَيْءِ عَنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ بِمَا وَصَفْنَا فَسَنَذْكُرُ أَهْلَ الصَّدَقَةِ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ، وَنُبَيِّنُ حُكْمَ أَهْلِ الْفَيْءِ فَنَقُولُ: يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُثْبِتَ الْمُقَاتِلَةَ فِي جَمِيعِ الثُّغُورِ وَالْبُلْدَانِ فِي دِيوَانِهِ وَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي نَفَقَاتِهِمْ وَمُؤْنَاتِهِمْ فيعطيهم مِنْ مَالِ الْفَيْءِ قَدْرَ كِفَايَاتِهِمْ حَتَّى لَا يَتَشَاغَلُوا بِاكْتِسَابِ الْمَالِ عَنْ جِهَادِ الْعَدُوِّ، وَيَكُونُوا مُتَشَاغِلِينَ بِالْحَرْبِ فِي الذَّبِّ عَنِ الْبَيْضَةِ.

وَإِذَا لَزِمَ الْإِمَامَ الْقِيَامُ بِكِفَايَتِهِمْ فَكِفَايَتُهُمْ تَخْتَلِفُ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: كَثْرَةُ الْعِيَالِ وَقِلَّتُهُمُ الَّذِينَ تَلْزَمُ نَفَقَاتُهُمْ مِنَ الْأَوْلَادِ وَالزَّوْجَاتِ وَالْعَبِيدِ وَالْخَدَمِ فَيُثْبِتُ ذُرِّيَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَهُمْ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ أَوْلَادِهِ فَثَبَتَ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي حَالِ الْفَقْرِ ثُمَّ فِي حَالِ النُّشُوءِ وَالْكِبَرِ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: وَتُعْطِي المنقوس شَيْئًا، وَكُلَّمَا كَبُرَ يُزَادُ عَلَى قَدْرِ مُؤْنَتِهِ يَعْنِي أَنَّهُ يُعْطِي أَبَاهُ لِأَجْلِهِ وَيَزِيدُ لِكِبَرِهِ. وَيَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الزَّوْجَاتِ وَالْعَبِيدِ وَالْخَدَمِ لِيَعْلَمَ بِذَلِكَ قَدْرَ مُؤْنَتِهِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَعْرِفَ حَالَهُ هَلْ هُوَ مِنَ الرَّجَّالَةِ أَوِ الْفُرْسَانِ فَإِنْ كَانَ مِنَ الْفُرْسَانِ عَرَفَ عَدَدَ خَيْلِهِ وَظَهْرِهِ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَعْرِفَ حَالَ بَلَدِهِ فِي قُرْبِهِ مِنَ الْمَغْزَى وَبُعْدِهِ، فَإِنَّهُ إِنْ بَعُدَ كَثُرَتْ مُؤْنَتُهُ وَإِنْ قَرُبَ قَلَّتْ.

وَالرَّابِعُ: أَنْ يعرف خصب بلده وجدبه فإن المؤن في بلاد الخصب قليلة في بِلَادِ الْجَدْبِ كَثِيرَةٌ.

وَالْخَامِسُ: أَنْ يَعْرِفَ غَلَاءَ السِّعْرِ وَرُخْصَهُ لِيَزِيدَهُ مَعَ الْغَلَاءِ، وَيَنْقُصَهُ مَعَ الرخص،

<<  <  ج: ص:  >  >>