بسم الله الرحمن الرحيم
[كتاب الصيد والذبائح]
إملاء من كتاب أشهب ومن اختلاف أبي حنيفة وأهل المدينة بَابُ صِفَةِ الصَّائِدِ مِنْ كلبٍ وَغَيْرِهِ وَمَا يحل من الصيد وما يحرم
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " كُلُّ مُعَلَّمٍ مِنْ كلبٍ وفهدٍ ونمرٍ وَغَيْرِهَا مِنَ الْوَحْشِ وَكَانَ إِذَا أُشْلِيَ اسْتَشْلَى وَإِذَا أَخَذَ حَبَسَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ هَذَا مَرَةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَهُوَ مُعَلَّمٌ وَإِذَا قَتَلَ فَكُلْ مَا لَمْ يَأْكُلْ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْأَصْلُ فِي إِبَاحَةِ الصَّيْدِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) {المائدة: ١) وَفِي قَوْله تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} فِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهَا الْعُقُودُ الَّتِي يَتَعَاقَدُهَا النَّاسُ بَيْنَهُمْ مِنْ بَيْعٍ، أَوْ نِكَاحٍ، أَوْ يَعْقِدُهَا الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ نذرٍ أَوْ يمين [وهذا قول ابن زيد] .
وَالثَّانِي: إِنَّهَا الْعُقُودُ الَّتِي أَخَذَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ، فِيمَا أَحَلَّهُ لَهُمْ وَحَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ، وأمرهم به، ونهاهم عنه [وهذا قول ابن عباس] .
وَالْعَقْدُ أَوْكَدُ مِنَ الْعَهْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَا كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَالْعَهْدَ قَدْ يَنْفَرِدُ بِهِ الْإِنْسَانُ فِي حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ نَفْسِهِ.
وَفِي {بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ أَجِنَّةُ الْأَنْعَامِ الَّتِي تُوجَدُ مَيْتَةً فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهَا إِذَا ذُبِحَتْ، وَهَذَا قول ابن عباس [وابن عمر] .
وَالثَّانِي: إِنَّهَا وَحْشِيُّ الْأَنْعَامِ مِنَ الظِّبَاءِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ، وَجَمِيعِ الصَّيْدِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي صَالِحٍ. وفي تسميتها " بهيمة " تأويلان:
أحدهما: لأنها أُبْهِمَتْ عَنِ الْفَهْمِ وَالتَّمْيِيزِ.
وَالثَّانِي: إِنَّهَا أُبْهِمَتْ عَنِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ.