للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلَيْسَ يَخْلُو جُحُودُ التَّدْبِيرِ، إِذَا ادَّعَاهُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّيِّدِ أَوْ مَعَ وَارِثِهِ.

فَإِنْ كَانَ الْجَاحِدُ لِلتَّدْبِيرِ هُوَ السَّيِّدَ، فَالْمَجْحُودُ مُخْتَصٌّ بِعَقْدِ التَّدْبِيرِ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى بَقَاءِ الْوَقْتِ، فَإِنْ أَرَادَ السَّيِّدُ بِجُحُودِهِ تَعْجِيلَ بَيْعِهِ، لَمْ يَكُنْ لِجُحُودِهِ تَأْثِيرٌ تُسْمَعُ بِهِ بَيِّنَتُهُ، أَوْ يُؤْخَذُ فِيهِ بِيَمِينٍ لِأَنَّ لَهُ إِبْطَالَ تَدْبِيرِهِ بِبَيْعِهِ، وَإِنِ اعْتَرَفَ بِهِ فَلَمْ يَسْتَفِدِ الْعَبْدُ بِدَعْوَى التَّدْبِيرِ مَا يَمْنَعُ مِنَ الْبَيْعِ، وَإِبْطَالِ التَّدْبِيرِ بِهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَبْقِيَهُ عَلَى مِلْكٍ، سُمِعَتْ دَعْوَاهُ عَلَى السَّيِّدِ بِتَدْبِيرِهِ لِمَا يَسْتَفِيدُهُ مِنَ الْعِتْقِ بِمَوْتِهِ، فَإِذَا جَحَدَ السَّيِّدُ تَدْبِيرَهُ كَانَ قَوْلُهُ فِي الْجُحُودِ مَقْبُولًا، لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِعَقْدٍ مُدَّعًى فَإِنْ جَعَلَ التَّدْبِيرَ جَارِيًا مَجْرَى الْعِتْقِ بِالصِّفَةِ، لَمْ يَكُنْ جُحُودُ السَّيِّدِ رُجُوعًا فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ بِالْقَوْلِ، فَلَمْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ فِيهِ بِالْجُحُودِ وَكُلِّفَ الْعَبْدُ الْبَيِّنَةَ. وَبَيِّنَتُهُ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ، وَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ وَإِنْ سِمِعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَا شَاهِدٌ وَيَمِينٌ، وَإِنْ سَمِعَهُ مَالِكٌ، لِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ عَلَى عَقْدٍ تُفْضِي إِلَى الْعِتْقِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعِتْقَ وَمَا أَفْضَى إِلَيْهِ لَا يُسْمَعُ فِيهِ إِلَّا عَدْلَانِ.

فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ، حُكِمَ لَهُ بِالتَّدْبِيرِ، وَإِنْ عَدِمَ الْبَيِّنَةَ كَانَ لَهُ إِحْلَافُ سَيِّدِهِ بِاللَّهِ مَا دَبَّرَهُ، وَسَقَطَ حُكْمُ التدبير بيمنيه، وَإِنْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ رُدَّتْ عَلَى الْعَبْدِ. فَإِنْ حَلَفَ ثَبَتَ تَدْبِيرُهُ، وَإِنْ نَكَلَ بَطَلَ. وَإِنْ جَعَلَ التَّدْبِيرَ جَارِيًا مَجْرَى الْوَصَايَا فِي جَوَازِ الرُّجُوعِ فِيهِ بِالْقَوْلِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَكُونُ جُحُودُهُ رُجُوعًا فِيهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَكُونُ رُجُوعًا فِيهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَقْصُودِ، فَعَلَى هَذَا لَا تُسْمَعُ لِلْعَبْدِ بَيِّنَةٌ وَلَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ يَمِينٌ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ لَا يَكُونُ الْجَحُودُ رُجُوعًا، وَالْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ مَسْمُوعَةٌ، وَالْيَمِينُ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: ارْجِعْ فِي تَدْبِيرِهِ، وَقَدْ سَقَطَ عَنْكَ الْيَمِينُ. فَصَرَّحَ بِأَنَّ الْجُحُودَ لَيْسَ بِرُجُوعٍ، لِأَنَّ جُحُودَ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا عَنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ جُحُودَ الرِّدَّةِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا إِلَى الْإِسْلَامِ، وَجُحُودَ النِّكَاحِ لَا يَكُونُ إِيقَاعًا لِلطَّلَاقِ.

فَصْلٌ

وَإِنْ كَانَ الْجَاحِدُ لِلتَّدْبِيرِ وَرَثَةَ السَّيِّدِ فَهَذَا اخْتِلَافٌ فِي حُرِّيَّتِهِ وَرِقِّهِ، فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَى الْأَحْوَالِ كُلِّهَا سَوَاءٌ جُعِلَ الْجُحُودُ رُجُوعًا فِي حَقِّ السَّيِّدِ، أَوْ لَمْ يُجْعَلْ، لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي التَّدْبِيرِ بَعْدَ الْمَوْتِ بَاطِلٌ. فَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ بَيِّنَةٌ سُمِعَتْ عَلَى التَّدْبِيرِ لَا عَلَى الْعِتْقِ، لِأَنَّ عِتْقَ التَّدْبِيرِ حُكْمٌ وَالْبَيِّنَةَ تُسْمَعُ عَلَى مَا أَوْجَبَ الْحُكْمَ لَا عَلَى الْحُكْمِ، وَإِنْ عَدِمَ الْعَبْدُ الْبَيِّنَةَ أَحْلَفَ الْوَرَثَةَ، وَكَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ أَنْ يُحْلِفَهُمْ، لِئَلَّا يُسْتَرَقَّ بَعْدَ عِتْقٍ فَإِنْ حَلَفَ الْوَرَثَةُ كانت يمينهم على العلم دون البت لأنه يَمِينُ نَفْيٍ لِفِعْلِ غَيْرِهِمْ، وَكَانُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>