للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الِابْتِيَاعَ إِنَّمَا كَانَ بَيْنَ السَّيِّدِ والزوجة من غير أن يكون للزوج فيه صنع ولا اختبار فلم يجز أن يضاف إليه الخلع، وإنما كَانَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَجَازَ لِاخْتِصَاصِ الزَّوْجِ بِالْفُرْقَةِ أَنْ يُضَافَ الْفَسْخُ إِلَيْهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الزَّوْجَ فِي الْخُلْعِ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنِ الْبُضْعِ إِلَى غير مالك كالعتق الذي يزيل بِهِ الْمُعَتِقُ مِلْكَهُ عَنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إِلَى غَيْرِ مَالِكٍ فَغَلَبَ فِيهِ حُكْمُ الزَّوْجِ دُونَ الزَّوْجَةِ وَالِابْتِيَاعُ قَدْ زَالَ بِهِ مِلْكُ الْبَائِعِ وَانْتَقَلَ إِلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَغَلَبَ فِيهِ حُكْمُ الزَّوْجَةِ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إِلَيْهَا دُونَ الزَّوْجِ.

فَصْلٌ

فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَاتَانِ الْمُقَدِّمَتَانِ وَابْتَاعَتْ زَوْجَهَا بِالْأَلْفِ الَّذِي ضَمِنَهُ السَّيِّدُ مِنْ صَدَاقِهَا لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ قَدْ دَخَلَ بِهَا قَبْلَ الِابْتِيَاعِ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، فَإِنِ ابْتَاعَتْهُ بعد دخوله بها كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا لِابْتِيَاعِهَا إِيَّاهُ مِنْ مَالِكِهِ بثمن قد استحقته ذِمَّتِهِ لِاسْتِكْمَالِهَا لِلصَّدَاقِ بِالدُّخُولِ فَصَارَ كَابْتِيَاعِهَا إِيَّاهُ بِدَيْنٍ عَلَى سَيِّدِهِ وَإِذَا صَحَّ الْبَيْعُ بَطَلَ النِّكَاحُ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الزَّوْجَةَ إِذَا مَلَكَتْ زَوْجَهَا بَطَلَ نِكَاحُهَا، وَبَرِئَتِ الزَّوْجَةُ مِنَ الثَّمَنِ لِكَوْنِهِ صَدَاقًا، وَبَرِئَ السَّيِّدُ مِنْ ضَمَانِ الصَّدَاقِ لِكَوْنِهِ ثَمَنًا وَلَمْ يَبْقَ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا صَدَاقٌ، لِأَنَّهَا قَدِ اسْتَوْفَتْهُ مِنْ ضَامِنِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى عَبْدِهِ بما غرمه عنه من ضمانه، لِأَنَّهُ ضَمِنَهُ عَنْهُ فِي حَالِ مِلْكِهِ.

فَصْلٌ

وَإِنِ ابْتَاعَتْهُ بِصَدَاقِهَا قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَالْبَيْعُ يَكُونُ بَاطِلًا، وَتَعْلِيلُ بُطْلَانِهِ قَدْ أَجْمَلَهُ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ: " لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ وَالْفَسْخِ وَقَعَا مَعًا ".

وَبَيَانُهُ: أَنَّ فِي إِثْبَاتِ البيع إبطال النكاح، وَذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ إِذَا صَحَّ بَطَلَ النِّكَاحُ، وَإِذَا بَطَلَ النِّكَاحُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ سَقَطَ صَدَاقُهَا وَإِذَا سَقَطَ الصَّدَاقُ بَطَلَ ضَمَانُهُ، لِأَنَّ بَقَاءَ الضَّمَانِ يَكُونُ لِبَقَاءِ الْحَقِّ الْمَضْمُونِ، وَإِذَا بَطَلَ الضَّمَانُ بَطَلَ الثَّمَنُ، لِأَنَّ الثَّمَنَ هُوَ الصَّدَاقُ الْمَضْمُونُ، وَإِذَا بَطَلَ الثَّمَنُ بَطَلَ الْبَيْعُ، لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِثَمَنٍ، فَلَمَّا أَدَّى إِثْبَاتُ الْبَيْعِ إِلَى إِبْطَالِ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ حُكِمَ بِإِبْطَالِ الْبَيْعِ وَبَقَاءِ النِّكَاحِ عَلَى ثُبُوتِهِ، لِأَنَّ مَا أَدَّى ثُبُوتُهُ إِلَى إِسْقَاطِهِ وَإِسْقَاطِ غَيْرِهِ حُكِمَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ بِإِسْقَاطِهِ وَثُبُوتِ غَيْرِهِ لِيُدْفَعَ بِأَقَلِّ الضَّرَرَيْنِ أَكْبَرُهُمَا، وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ.

فَمِنْهَا: أَنَّ مَنْ مَاتَ وَتَرَكَ أخاً وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ، فَأَقَرَّ الْأَخُ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ ثَبَتَ نَسَبُ الِابْنِ وَلَمْ يَرِثْ، لِأَنَّهُ لَوْ ورث لحجب الْأَخَ فَلَمْ يَرِثْ، وَإِذَا لَمْ يَرِثِ الْأَخُ بَطَلَ إِقْرَارُهُ بِالنَّسَبِ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقِرَّ بِالنَّسَبِ مَنْ لَيْسَ بِوَارِثٍ، وَإِذَا بَطَلَ إِقْرَارُهُ بِالنَّسَبِ لَمْ يَثْبُتِ النَّسَبُ، فَلَمَّا كَانَ تَوْرِيثُ هَذَا الِابْنِ مُؤَدِّيًا إِلَى إِبْطَالِ نَسَبِهِ وَمِيرَاثِهِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَبَطَلَ مِيرَاثُهُ.

وَمِنْهَا: أَنَّ مَنِ اشْتَرَى أَبَاهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَتَقَ وَلَمْ يَرِثْ، لِأَنَّ عِتْقَهُ فِي الْمَرَضِ كَالْوَصِيَّةِ لَهُ فِي اعْتِبَارِهِ مِنَ الثُّلُثِ، فَلَوْ وَرِثَ لمنع الوصية، لأنه لا وصية لوارث وإن مُنِعَ الْوَصِيَّةَ بَطَلَ الْعِتْقُ، وَإِذَا بَطَلَ الْعِتْقُ سَقَطَ الْمِيرَاثُ، فَلَمَّا كَانَ تَوْرِيثُهُ مُؤَدِّيًا إِلَى إِبْطَالِ عِتْقِهِ وَمِيرَاثِهِ ثَبَتَ عِتْقُهُ وَسَقَطَ مِيرَاثُهُ. ومنها: أن يوصي لرجل بابن له مملوكه فمات قبل الوصية، وخلف أَخًا هُوَ وَارِثُهُ فَيَقْبَلُ الْأَخُ الْوَصِيَّةَ لِأَخِيهِ بِابْنِهِ فَإِنَّ الِابْنَ يَعْتِقُ وَلَا يَرِثُ، لِأَنَّهُ لو ورث

<<  <  ج: ص:  >  >>