للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلو لَمْ يَكُنْ لَهَا قريبٌ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ لِأَنَّ تزويجه حكمٌ عليها فإذا تحاكموا إلينا بعد النكاح فإن كان مما يجوز ابتداؤه في الإسلام أجزناه لأن عقده قد مضى في الشرك ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَى مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ الْحُكْمِ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ جَوَازِهِ، فَإِذَا تَرَافَعَ زَوْجَانِ فِي عَقْدِ نِكَاحٍ فَهُوَ كَتَرَافُعِهِمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ عُقُودِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَاتِ، وَإِنَّمَا خَصَّ الشَّافِعِيُّ تَرَافُعَهُمَا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، لِأَنَّهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، وَلِأَنَّ فُرُوعَهُ أَكْثَرُ فَإِذَا تَرَافَعَا فِيهِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَرَافَعَا فِي اسْتِدَامَةِ عَقْدٍ قَدْ مَضَى فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَكْشِفَ عَنْ حَالِ الْعَقْدِ وَلَا يَعْتَبِرَ فِيهِ شُرُوطَ الْإِسْلَامِ، وَيَنْظُرَ فَإِنْ كَانَتِ الزوجة ممن تجوز لَهُ عِنْدَ التَّحَاكُمِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الْعَقْدَ عَلَيْهَا جَازَ أَنْ يُقِرَّهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَقْدِهَا، سَوَاءٌ كَانَ بَوْلِيٍّ، أَوْ شُهُودٍ أَمْ لَا، إِذَا رَأَوْا مَا عَقَدُوهُ نِكَاحًا فِي دِينِهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ أَنْ تستأنف العقد عليها عند الترافع إلينا لكونها في ذوات المحارم والمحرمات أو بَقِيَّةِ عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ حُكِمَ بِإِبْطَالِ النكاح، ويكون حالها عِنْدَ التَّرَافُعِ إِلَى الْحَاكِمِ كَحَالِهِمَا لَوْ أَسْلَمَا فَمَا جَازَ إِقْرَارُهُمَا عَلَيْهِ مِنَ النِّكَاحِ بَعْدَ إسلامها جَازَ إِقْرَارُهُمَا عَلَيْهِ عِنْدَ تَرَافُعِهِمَا إِلَى حَاكِمِنَا، وَمَا لَمْ يَجُزِ الْإِقْرَارُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَجُزِ الْإِقْرَارُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّرَافُعِ إِلَى الْحَاكِمِ.

فَصْلٌ: وَالضَّرْبُ الثَّانِي

: أَنْ يَتَرَافَعَا إِلَى حَاكِمِنَا فِي ابْتِدَاءِ عَقْدٍ يَسْتَأْنِفُهُ بَيْنَهُمَا، فَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَعْقِدَهُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْإِسْلَامِ بَوْلِيٍّ وَشُهُودٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ) {المائدة: ٤٩) . وإنما جاز أن يمضي في مَنَاكِحِهِمْ فِي الشِّرْكِ، وَإِنْ لَمْ تُكْنَ عَلَى شُرُوطِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْنِفَهَا فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا عَلَى شُرُوطِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِين كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرُ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) {الأنفال: ٣٨) . وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ مَنَاكِحِهِمْ فِي الشِّرْكِ عَلَى شُرُوطِ الْإِسْلَامِ وَرَدِّهَا إِذَا خَالَفَتْهُ تَنْفِيرًا لَهُمْ مِنَ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ، وليس فيما استأنفوه لرضاهم به تنفيراً لهم منه.

فإذا تقرر ما وصفناه فَوَلِيُّهَا فِي النِّكَاحِ أَقْرَبُ عَصَبَتِهَا مِنَ الْكُفَّارِ، ولأن وَلِيَّ الْكَافِرَةِ كَافِرٌ، وَيُرَاعَى أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فِي دِينِهِ فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا فِيهِ كَانَ كفسق الولي المسلم بعدل إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ الْعُدُولِ، فَإِنْ عُدِمَ أوليائها من العصبة والمعتقين زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ وَلَا يَمْنَعُهُ الْإِسْلَامُ مِنْ تَزْوِيجِهَا، وإن منع منها إِسْلَامُ عَصَبَتِهَا، لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا حُكْمٌ فِيهِ عَلَيْهَا.

فَأَمَّا الشُّهُودُ فِي نِكَاحِهَا فَلَا يَصِحُّ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ؛ وَجَوَّزَ أبو حنيفة عَقْدَ نِكَاحِهَا بِشُهُودٍ كُفَّارٍ كَمَا جَازَ بِوَلِيٍّ كَافِرٍ، وَهَذَا خَطَأٌ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا نِكَاحَ إِلَّا بَوْلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ ".

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالشُّهُودِ أَنَّ الْوَلِيَّ يُرَادُ لِطَلَبِ الحظ لها للموالاة التي بينها، وَالْكَافِرُ الْمُشَارِكُ لَهَا فِي الْكُفْرِ أَقْوَى مُوَالَاةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ الْكَافِرُ أَحَقَّ بِوِلَايَةِ نِكَاحِهَا من المسلم، وليس كذلك الشهود، لأنهم يُرَادُونَ لِإِثْبَاتِ الْفِرَاشِ، وَإِلْحَاقِ النَّسَبِ وَلَا يَثْبُتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>