للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلاة، استقر الحكم، وإن عادوها الدَّمُ قَبْلَ اسْتِئْنَافِ وُضُوئِهَا صَارَ عَادَةً فِيمَا بَعْدُ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ طَهَارَتِهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: بَاطِلَةٌ لِلْحُكْمِ بِبُطْلَانِهَا بِالشَّكِّ الْمُتَقَدِّمِ كَالصَّلَاةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: صَحِيحَةٌ لِلْعَادَةِ الطَّارِئَةِ الَّتِي زَالَ بِهَا الشك كالمسافر إذا شك هل بدأ بمسح مسافر جاز، أو مقيم مَسَحَ مَسْحَ مُقِيمٍ، فَلَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ ابْتَدَأَ الْمَسْحَ مُسَافِرًا جَازَ لِزَوَالِ الشَّكِّ أَنْ يُبْنَى عَلَى مَسْحِ مُسَافِرٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ أَنَّ الصَّلَاةَ بَطُلَتْ بِالشَّكِّ لِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّلُهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا وَالْوُضُوءُ لَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ إِذَا ارْتَفَعَ، لِأَنَّهُ قَدْ يَتَخَلَّلُهُ مَا لَيْسَ مِنْهُ.

(الْقَوْلُ فِي دَمِ الْفَسَادِ)

(فَصْلٌ)

: فَأَمَّا ذَاتُ الْفَسَادِ وَهُوَ الدَّمُ الَّذِي لَيْسَ بِحَيْضٍ وَلَا اسْتِحَاضَةٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهَا فَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ يَجْعَلُهَا كَ " الِاسْتِحَاضَةِ " فِي الطَّهَارَةِ وَأَحْكَامِهَا. وَلَا يَكُونُ دَمُ الْفَسَادِ بِأَنْدَرَ مِنَ الْمَذْيِ الَّذِي يُسَاوِي حُكْمَ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ يَجْعَلُ ذَلِكَ حَدَثًا كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ لَا يَجْمَعُ إِلَى الْفَرْضِ بَعْدَ ظُهُورِ الدَّمِ نَفْلًا، لِأَنَّ دَمَ الْفَسَادِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَنْدَرَ مِنَ الْمَذْيِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَذْيَ، وَسَلَسَ الْبَوْلِ قَدْ يَدُومُ زَمَانًا إِذَا حَدَثَ بِصَاحِبِهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمِ الِاسْتِحَاضَةِ الَّتِي قَدْ تَدُومُ بِهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ دَمُ الْفَسَادِ لِأَنَّهُ إِنْ دَامَ خَرَجَ عَنْ دَمِ الْفَسَادِ فصار حيضاً أم اسْتِحَاضَةً.

(فَصْلٌ)

: فَأَمَّا الْمُبْتَلَى بِالْمَذْيِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لِحُدُوثِ سَبَبٍ مِنْ لَمْسٍ، أَوْ نَظَرٍ، أَوْ تَحْرِيكِ شَهْوَةٍ فَهُوَ كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ فِي غُسْلِهِ وَوُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْهُ قَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ حِينَ أَمَرَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنْ يَسْأَلَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالنَّضْحِ عَلَى فَرْجِهِ وَالْوُضُوءِ مِنْهُ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَسْتَدِيمَ بِصَاحِبِهِ لَا مِنْ حُدُوثِ سَبَبٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي غَسْلِ فَرْجِهِ وَشَدِّهِ وَالْوُضُوءِ مِنْهُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَكَذَا مَنْ به سلسل الْبَوْلِ أَوِ اسْتِطْلَاقُ الرِّيحِ الْمُسْتَدِيمُ.

فَأَمَّا منِ اسْتَدَامَ بِهِ الْمَنِيُّ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْهُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَقَلَّ مَنْ يَسْتَدِيمُ بِهِ الْمَنِيُّ، لِأَنَّ مَعَهُ تَلَفَ النَّفْسِ ".

فَأَمَّا مَنْ بِهِ جَرْحٌ يَسِيلُ دَمُهُ فَلَا يَرْقَأُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَهُ عِنْدَ كُلِّ فَرِيضَةٍ وَيَشُدَّهُ مُكْتَفِيًا بِهِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ لِأَنَّ خُرُوجَ الدَّمِ مِنَ الْجَسَدِ يُوجِبُ غَسْلَ مَحَلِّهِ مِنْ غير وضوء. والله أعلم بالصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>