أَصَحُّ، فَإِذَا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَةَ أُضْحِيَّتِهِ صَرَفَهَا فِي مِثْلِهَا وَكَانَ فِي فَضْلِهَا وَنُقْصَانِهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَيَكُونُ أَرْشُ الذَّبْحِ دَاخِلًا فِي ضَمَانِ الْقِيمَةِ فَسَقَطَ بِهَا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لَحْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاقِيًا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَ لَحْمَ أُضْحِيَّتِهِ، وَلَا يَجُوزَ أَنْ يَتَبَادَلَا بِاللَّحْمِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إِلَّا فِي مَسْلَكِ الضَّحَايَا، وَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِأَرْشِ الذَّبْحِ، وَفِي مَصْرِفِ هَذَا الْأَرْشِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهُا: أَنْ يَكُونَ لِلْمُضَحِّي خَاصَّةً، لِأَنَّ حَقَّ الْمَسَاكِينِ فِي عَيْنِ الْأُضْحِيَّةِ، وَلَيْسَ هَذَا الْأَرْشُ مِنْهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لِلْمَسَاكِينِ خَاصَّةً، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُضَحِّي مِنْهَا إِلَّا مَا يَأْكُلُهُ مِنْ لَحْمِهَا، وَلَيْسَ هَذَا الْأَرْشُ مِنْهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَسْلُكَ بِهِ مَسْلَكَ الضَّحَايَا لِاسْتِفَادَتِهِ منها.
[(مسألة:)]
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " فَإِذَا ذَبَحَ لَيْلًا أَجْزَأَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: ذَبْحُ الْأُضْحِيَّةِ لَيْلًا مَكْرُوهٌ لنهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنِ الذَّبْحِ لَيْلًا، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا أَخْطَأَ مَحَلَّ ذَبْحِهَا بِظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَتِرًا بِهَا وَالْمُظَاهَرَةُ بِهَا أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا أَعْوَذَهُ الْمَسَاكِينُ فِي اللَّيْلِ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا تَغَيَّرَ اللَّحْمُ إِذَا استبقى إلى النهار وصل فَلِهَذِهِ الْمَعَانِي كَرِهْنَا ذَبْحَهَا فِي اللَّيْلِ، فَإِنْ ذَبَحَهَا فِيهِ أَجْزَأَهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِئُهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) {الحج: ٢٨) . فَخَصَّ الْأَيَّامَ بِهَا دُونَ اللَّيَالِي.
وَدَلِيلُنَا: قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {وَالبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} (الحج: ٣٦) . ولم يفرق بين الليل النهار فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِيهَا.
وَلِأَنَّهُ مِنْ زَمَانِ النَّحْرِ فَجَازَتِ الْأُضْحِيَّةُ فِيهِ كَالنَّهَارِ.
وَلِأَنَّهُ أَحَدُ مَقْصُودِي الْأُضْحِيَّةِ فَجَازَ لَيْلًا كَالتَّفْرِقَةِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَهُوَ أَنَّ اللَّيَالِيَ تَبَعٌ لِلْأَيَّامِ.
وَالنَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ كَمَا نَهَى عَنْ جداد الثمار في الليل - ما يصنع بلحم الأضحية من حيث الإدخار والأكل والطعام والإهداء -.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: " وَالضَّحِيَّةُ نسكٌ مأذونٌ فِي أَكْلِهِ وَإِطْعَامِهِ وَادِّخَارِهِ ".