قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا فَحُكْمُهَا فِي جَمِيعِ مَا قَدَّمْنَاهُ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْمَحِلِّ فَمَحِلُّ الْهَدْيِ الْحَرَمُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) {الحج: ٣٣) . وَمَحِلُّ الضَّحَايَا فِي بَلَدِ الْمُضَحِّي، وَهَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ ذَبْحُهَا فِيهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مُخَرَّجَيْنِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فِي تَفْرِيقِ الزَّكَاةِ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْمَالِكِ هَلْ يُجْزِئُ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.
فَإِنْ قِيلَ لَا تُجْزِئُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ذَبْحُ الْأُضْحِيَّةِ فِي بَلَدِهِ فَإِنْ ذَبَحَهَا فِي غَيْرِ بَلَدِهِ لَمْ يُجْزِهِ.
وَإِنْ قِيلَ تَفْرِيقُهَا فِي غَيْرِ بَلَدِهِ يُجْزِئُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ ذَبْحُ الْأُضْحِيَّةِ فِي بَلَدِهِ، وَكَانَ ذَبْحُهَا فِي بَلَدِهِ أَفْضَلَ، وَفِي غَيْرِ بَلَدِهِ جَائِزٌ.
فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ لَمْ يَخْلُ حَالُهَا بَعْدَ الْإِيجَابِ إِيجَابُهَا أَنْ تَكُونَ عَنْ نَذْرٍ أَوْ تَطَوُّعٍ، فَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَهُوَ مَا ابْتَدَأَ إِيجَابَهُ فَقَالَ: قَدْ جَعَلْتُ هَذِهِ الْبَدَنَةَ أُضْحِيَّةً، فَيَجِبُ أَنْ يَذْبَحَهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَكَذَلِكَ الْهَدْيُ ثُمَّ يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأُضْحِيَّةِ، وَذَلِكَ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا.
وَالثَّانِي: أَنْ يُطْعِمَ الْفُقَرَاءَ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يُهْدِيَ إِلَى الْأَغْنِيَاءِ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ يَدَّخِرَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالْمُعْتَر} (الحج: ٣٦) . فَنَصَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ عَلَى أَكْلِهِ، وَإِطْعَامِ الْفُقَرَاءِ، وَمُهَادَاةِ الأغنياء. القول في ادخار لحوم الأضاحي
وَأَمَّا الِادِّخَارُ فَالْأَصْلُ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَفَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الْأَضْحَى فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " ادَّخِرُوا الثُّلُثَ وَتَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: لَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَنْتَفِعُونَ بِضَحَايَاهُمْ يَحْمِلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ وَيَتَّخِذُونَ مِنْهَا الْأَسْقِيَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: وَمَا ذَاكَ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: نَهَيْتَ عَنِ اقْتِنَاءِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثلاثٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا "، فَاشْتَمَلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute