ولو أوصى له بتمر فكذه: لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا، لِأَنَّهُ يُسْتَبْقَى بِهِ.
وَلَوْ جَعَلَهُ دِبْسًا: كَانَ رُجُوعًا لِزَوَالِ الِاسْمِ.
وَهَكَذَا: لَوْ أَوْصَى لَهُ بِعِنَبٍ، فَجَعَلَهُ عَصِيرًا، أَوْ زيتون فجعله زيتا، أن بِسِمْسِمٍ فَجَعَلَهُ شَيْرَجًا، كَانَ رُجُوعًا.
وَلَوْ أَوْصَى بِرُطَبٍ فَجَفَّفَهُ تَمْرًا أَوْ بِعِنَبٍ فَجَفَّفَهُ زَبِيبًا، لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا، لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يُدَّخَرُ وَهُوَ على صفته، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِجَدْيٍ، فَصَارَ تيسا، أو ببصل فصار خلا.
[فصل:]
وإذا أوصى له دار فَهَدَمَهَا: كَانَ رُجُوعًا.
وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يكون هدم الدار رجوعا، وهذا خطأ. لأنه لما كان طحن الحنطة رُجُوعًا، كَانَ هَدْمُ الدَّارِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ رُجُوعًا. وَلَوْ جَعَلَ الدَّارَ حَمَّامًا: كَانَ رُجُوعًا بوفاق مع أبي حنيفة، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فِي هَدْمِهَا. وَلَكِنْ لَوْ عَمَّرَهَا، لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا، وَلَوْ جعل عليها سباطا، لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي الْوَصِيَّةِ.
وَهَلْ يَكُونُ وضع السباط عليه من حيطانها على وجهين كما قلنا فِي قَرَارِ الْغَرْسِ وَأَسَاسِ الْبِنَاءِ.
مَسْأَلَةٌ:
قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " ولو أوصى له بمكيلة حنطة مما في بيته ثم خلطها بمثلها لم يكن رجوعا وكانت له المكيلة بحالها ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيمَنْ أَوْصَى بصبرة مميزة وأنه مَتَى خَلَطَهَا بِغَيْرِهَا كَانَ رُجُوعًا.
فَأَمَّا مَسْأَلَتُنَا هذه مصورة في رجل أوصى لزيد بقفيز من صبرة حنطة في بيته، ثُمَّ خَلَطَهَا، فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَخْلِطَهَا بِمِثْلِهَا، فَهَذَا لَا يَكُونُ رُجُوعًا لِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُوصَى بِهِ كَانَ مُخْتَلِطًا بِغَيْرِهِ، وَخَالَفَ الْحِنْطَةَ الْمُتَمَيِّزَةَ الَّتِي يَصِيرُ خَلْطُهَا رُجُوعًا.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَخْلِطَهَا بِأَجْوَدَ مِنْهَا: فَهَذَا يَكُونُ رُجُوعًا، لِأَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ فِيهَا بِالْخَلْطِ زِيَادَةً لَا يَمْلِكُهَا الْمُوصَى لَهُ فَصَارَ كَالذَّهَبِ إِذَا صَاغَهُ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَخْلِطَهَا بِأَرْدَأَ مِنْهَا: فَفِي كَوْنِهِ رُجُوعًا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قول عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَكُونُ رُجُوعًا، لِأَنَّهُ نَقْصٌ أَحْدَثَهُ فِيهَا، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَخَذَ بَعْضَهَا: لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا فِيمَا بَقِيَ عَنْهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ رُجُوعًا لِأَنَّ الْحِنْطَةَ تَتَغَيَّرُ بِالْأَرْدَأ، كَمَا تَتَغَيَّرُ بِالْأَجْوَدِ وَجُمْلَةُ مَا يَكُونُ رُجُوعًا فِي الْوَصِيَّةِ مَعَ بَقَائِهَا عَلَى مِلْكِ الْمُوصِي أَنْ يَقْصِدَ إِلَى اسْتِهْلَاكِهَا، أَوْ يُحْدِثَ فِيهَا بِفِعْلِهِ زِيَادَةً لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهَا.