الظَّاهِرِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْحَاكِمِ إِذَا رَآهُمَا عَلَى الِاجْتِمَاعِ، هَلْ يَلْزَمُهُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ الْفُرْقَةُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ مَا هُمَا عَلَيْهِ مِنَ الِاجْتِمَاعِ، يَجُوزُ إِبَاحَتُهُ فِي الشَّرْعِ، فَلَوْ فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا فَفِي تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ وَجْهَانِ مِنِ اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ حُكْمِهِ بِالْفُرْقَةِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَعْلَمَ الزَّوْجَةُ كَذِبَهُ فِيمَا دِينَ فِيهِ، فَعَلَيْهَا الْهَرَبُ مِنْهُ، وَلَا يَسَعُهَا فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا، وَإِنْ جَوَّزْنَا لِلزَّوْجِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا، وَإِنْ سَأَلَتِ الْحَاكِمَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِالْفُرْقَةِ لَزِمَهُ الْحُكْمُ بِهَا، وَيَجُوزُ لَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ وَيَجُوزُ لِمَنْ خَطَبَتْهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إِنْ لَمْ يُصَدِّقِ الزَّوْجَ فِيمَا دِينَ فِيهِ، فَإِنْ عَلِمَ صِدْقَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إِنْ لَمْ يَحْكُمِ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا بِالْفُرْقَةِ.
وَفِي جَوَازِ تَزْوِيجِهِ بِهَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِالْفُرْقَةِ وَجْهَانِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا تَعْلَمَ الزَّوْجَةُ صِدْقَهُ فِيمَا دِينَ فِيهِ وَلَا كَذِبَهُ فَيُكْرَهُ لَهَا تَمْكِينُهُ مِنْ نَفْسِهَا لِجَوَازِ كَذِبِهِ، وَفِي تَحْرِيمِهِ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا تَحْرُمُ عَلَيْهَا فِي الْبَاطِنِ تَغْلِيبًا لِبَقَاءِ النِّكَاحِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ فِي حُكْمِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: يَحْرُمُ عَلَيْهَا فِي الْبَاطِنِ تَغْلِيبًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الظَّاهِرِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي حُكْمِ الْقِسْمِ الثَّانِي. فَلَوِ ادَّعَى عَلَيْهِ تَصْدِيقَهُ فِيمَا دِينَ فِيهِ وَأَنْكَرَتْهُ، فَفِي وُجُوبِ إحلافها عَلَيْهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى مَا مَضَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ:)
قَالَ الشافعي: (وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ غَضَبٍ أَوْ مَسْأَلَةِ طَلَاقٍ أَوْ رِضًا وَقَدْ يَكُونُ السَبَبُ وَيَحْدُثُ كَلَامٌ عَلَى غَيْرِ السَبَبِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا صريح الطلاق، فيستوي حكمه في الغضب والرضى، وَعِنْدَ مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ، وَفِي الِابْتِدَاءِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا كِنَايَاتُ الطَّلَاقِ فَحُكْمُهَا عِنْدَنَا فِي الغضب والرضى سَوَاءٌ.
وَعِنْدَ مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ وَفِي الِابْتِدَاءِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ إِلَّا بِنِيَّتِهِ وَإِرَادَتِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: إِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِالْكِنَايَاتِ سَبَبٌ، من غضب أو طلب علم يَقَعْ بِهَا الطَّلَاقُ إِلَّا مَعَ النِّيَّةِ، وَإِنْ قَارَنَهَا سَبَبٌ مِنْ طَلَبٍ أَوْ غَضَبٍ فَعِنْدَ مَالِكٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِجَمِيعِهَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: يَقَعُ الطَّلَاقُ بِسِتَّةِ أَلْفَاظٍ مِنْهَا بِغَيْرِ نِيَّةٍ،