للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَابُ مَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنَ الْكَلَامِ وما لا يقع إلا بالنية والطلاق من الجامع من كتاب الرجعة ومن كتاب النكاح ومن إملاء مسائل مالك وغير ذلك)

قَالَ الشَّافِعِيُّ: رَحِمَهُ اللَّهُ: (ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّلَاقَ فِي كِتَابِهِ بِثَلَاثَةِ أَسْمَاءَ الطَّلَاقِ وَالْفِرَاقِ وَالسَّرَاحِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الطَّلَاقُ فَلَا يَقَعُ إِلَّا بِالْكَلَامِ وَمَا قَامَ مَقَامَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْكَلَامِ. وَلَا يَقَعُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ كَلَامٍ، فَلَوْ نَوَى طَلَاقَ امْرَأَتِهِ لَمْ تُطَلَّقْ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَمَالِكٌ فِي إِحْدَى رِوَايَاتِهِ تُطَلَّقُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ حَتَّى لَوْ نَوَى طَلَاقَ امْرَأَتِهِ طُلِّقَتْ، اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) قَالَ: وَلِأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بِنِيَّةِ الرِّدَّةِ، جَازَ أَنْ تقع الطَّلَاقُ وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ بِنِيَّةِ أَنْفُسِهَا) .

وَالنِّيَّةُ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ. فَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ مَوْضُوعَةً عَنْهُ، وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ إِزَالَةُ مِلْكٍ وَالْمِلْكُ لَا يَزُولُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ كَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ، وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ أَحَدُ طَرَفَيِ النِّكَاحِ فَلَمْ يَصِحَّ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ كَالْعَقْدِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (إِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) فَالْمُرَادُ بِهِ ثَوَابُ قُرَبِهِ إِلَى فِعْلِهَا، فَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ نِيَّةُ الطَّلَاقِ، لَمْ يَفْعَلْ. فَأَمَّا الرِّدَّةُ فَلِأَنَّ ثُبُوتَ الرِّدَّةِ توقع الْفُرْقَةَ وَالرِّدَّةَ فَتَكُونُ بِمُجَرَّدِ الِاعْتِقَادِ كَالْإِيمَانِ وَلَيْسَ كَالطَّلَاقِ.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا صَحَّ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إِلَّا بِالْقَوْلِ. فَالْأَلْفَاظُ فِيهِ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَكُونُ صَرِيحًا فِيهِ، وَالصَّرِيحُ مَا وَقَعَتْ بِهِ الْفُرْقَةُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَقِسْمٌ يَكُونُ كِنَايَةً فِيهِ. وَالْكِنَايَةُ مَا وَقَعَتْ بِهِ الْفُرْقَةُ مَعَ النِّيَّةِ وَلَمْ تَقَعْ بِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَقِسْمٌ لَا يَكُونُ صَرِيحًا فِيهِ وَلَا كِنَايَةً: وَهُوَ مَا لَا يَقَعُ بِهِ الفرقة سواء كانت معه نية أم لَمْ تَكُنْ.

فَأَمَّا صَرِيحُ الطَّلَاقِ فَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ الطَّلَاقُ وَالْفِرَاقُ والسَّرَاحُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: صَرِيحُ الطَّلَاقِ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الطَّلَاقُ دُونَ الْفِرَاقِ وَالسَّرَاحِ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ كُلَّ لَفْظٍ تَعَارَفَ النَّاسُ اسْتِعْمَالَهُ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِ الطَّلَاقِ، لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا

<<  <  ج: ص:  >  >>