[(مسألة)]
قال المزني: " وَضَعَّفَ الشَّافِعِيُّ كَفَالَةَ الْوَجْهِ فِي مَوْضِعٍ وَأَجَازَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِلَّا فِي الْحُدُودِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَمَّا مَضَى ضَمَانُ الْأَمْوَالِ عَقَّبَهُ الْمُزَنِيُّ بِكَفَالَةِ الْأَبْدَانِ فَإِذَا تَكَفَّلَ رَجُلٌ بِنَفْسِ رَجُلٍ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَكْفُولِ مُطَالَبَةٌ بِحَقٍّ فَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ مَا يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بِهِ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي ثَلَاثَةِ كُتُبٍ عَلَى جَوَازِهَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَفِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ وَالْمَوَاهِبِ.
وَفِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ بَعْدَ أَنْ نَصَّ عَلَى جَوَازِهَا غَيْرَ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ ضَعِيفَةٌ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَا يَكْفُلُ رَجُلٌ فِي حَدٍّ وَلَا لِعَانٍ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
لِاخْتِلَافِ مَا حَكَيْنَا عَنْهُ فَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ يَقُولُونَ الْكَفَالَةُ فِي الْحُدُودِ بَاطِلَةٌ وَفِي الْأَمْوَالِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: جَائِزَةٌ وَهُوَ مَذْهَبُ أبي حنيفة وَمَالِكٍ وَالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ بِالْمَدِينَةِ وَدَلِيلُ جَوَازِهَا قَوْله تَعَالَى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: ٦٦] وَالْمَوْثِقُ الْكَفِيلُ فَامْتَنَعَ يَعْقُوبُ مِنْ إِرْسَالِ وَلَدِهِ مَعَ إِخْوَتِهِ إِلَّا بِكَفِيلٍ يَكْفُلُ بِهِ وَرُوِيَ أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَكَفَّلَ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ عَامَ الْفَتْحِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخَذَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ حِينَ تَوَقَّفَ عَنْ بَيْعَتِهِ.
فَكَفَلَتْ بِهِ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيٍّ لِأَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَةَ عُمَرَ وَقِيلَ بَلْ كَفَلَتْ بِهِ أُخْتُهُ حَفْصَةُ وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ إِنِّي مَرَرْتُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَوَّاحَةَ وَهُوَ يُؤَذِّنُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ رَسُولُ اللَّهِ فَكَذَّبْتُ سَمْعِي وَوَقَفْتُ حَتَّى سَمِعْتُ أَهْلَ الْمَسْجِدِ يَضِجُّونَ بِهِ فَبَعَثَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِلَى ابْنِ النَّوَّاحَةِ فَدَعَاهُ وَأَصْحَابَهُ فَقَالَ مَا صَنَعْتَ بِالْقُرْآنِ الَّذِي كُنْتَ تَتْلُوهُ قَالَ كُنْتُ أَتَّقِيكُمْ بِهِ فَأَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ وَاسْتَشَارَ الصَّحَابَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالُوا يُسْتَتَابُونَ، وَيُكْفَلُونَ، فَاسْتَتَابَهُمْ فَتَابُوا، وَكَفَلَهُمْ عَنْ عَشَائِرِهِمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ مُنْعَقِدٌ بِجَوَازِ الْكَفَالَةِ.
وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ ضَمَانُ مَا فِي الذِّمَّةِ جَازَ ضَمَانُ ذِي الذِّمَّةِ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ضَمَانِ الْحَقِّ وَبَيْنَ ضَمَانِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ كَالْإِجَارَةِ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقَدَ عَلَى عَيْنٍ، لِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ مِنْهَا فَلَمَّا جَازَتِ الْإِجَارَةُ وَجَبَ أَنْ تَجُوزَ الْكَفَالَةُ وَلِأَنَّ ضَمَانَ الْأَمْوَالِ إِنَّمَا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute