للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخَّرَ الْإِصَابَةَ إِلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَيَصِيرُ سِرَايَةُ الطَّلَاقِ مُبْطِلًا لِحُكْمِ الرَّجْعَةِ وَالْمُسْتَقِرُّ مِنْ حُكْمِ الرَّجْعَةِ أَنْ تَبْطُلَ سِرَايَةُ الطَّلَاقِ فَصَارَ عَكْسًا فَبَطَلَ قَوْلُهُ، فَإِذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ الثَّانِي فَهَلْ تَسْتَأْنِفُ لَهُ الْعِدَّةَ أَوْ تَبْنِي عَلَى عِدَّةِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: تَبْنِي عَلَى عِدَّةِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ.

وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ:

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ مِنَ الطَّلَاقِ الثَّانِي، وَلَا تَبْنِي عَلَى عِدَّةِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ الثَّانِي بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا.

وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ، وَقَدْ مَضَى تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ لَكِنِ احْتَجَّ الْمُزَنِيُّ لِمَا اخْتَارَهُ مِنِ اسْتِئْنَافِ الْعِدَّةِ بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الرَّجْعَةَ لَمَّا انْقَطَعَتْ بِهَا سِرَاءَةُ الْعِدَّةِ وَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ بِهَا مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْعِدَّةِ كَالْوَطْءِ، وَهَذَا فَاسِدٌ بِالْمُخْتَلِعَةِ إِذَا نَكَحَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ قَطَعَ الْعِدَّةَ، وَلَمْ يُبْطِلْهَا، وَالطَّلَاقُ فِيهِ مُوجِبٌ لِلْبِنَاءِ دُونَ الِاسْتِئْنَافِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الرَّجْعَةَ لَمَّا رَفَعَتْ تَحْرِيمَ الطَّلَاقِ رَفَعَتْ عِدَّةَ تَحْرِيمِهِ وَصَارَتْ بِمَثَابَةِ مَنْ لَمْ تُطَلَّقْ، فَإِذَا طُلِّقَتْ مِنْ بَعْدُ اسْتَأْنَفَتِ الْعِدَّةَ، وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّهَا قَطَعَتِ التَّحْرِيمَ وَلَمْ يُرْفَعْ مَا تَقَدَّمَ فَكَذَلِكَ الْعِدَّةُ تَنْقَطِعُ بِالرَّجْعَةِ وَلَا ترفع ما تقدم.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " يشبه أَنْ يَلْزَمَهُ أَنْ يَقُولَ: ارْتَجَعَ أَوْ لَمْ يَرْتَجِعْ سَوَاءٌ وَيَحْتَجُّ بِأَنَّ زَوْجَهَا لَوْ مَاتَ اعْتَدَّتْ مِنْهُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَوَرِثَتْ كَمَنْ لَمْ تُطَلَّقْ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْعِدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فَيُرَاعِيَ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ فَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا لَمْ تَبْنِ به وبنت عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا قَوْلًا وَاحِدًا لِاسْتِوَاءِ حُكْمِ الطَّلَاقَيْنِ وَالْعِدَّتَيْنِ، وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ تَبْنِي مِنْهُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مِنَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ، وَالطَّلَاقُ الثَّانِي إِنْ لَمْ يَزِدْهَا تَحْرِيمًا لَمْ يَنْقُصْهَا، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ الثَّانِي بَائِنًا وَذَلِكَ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ:

إِمَّا أَنْ يَسْتَكْمِلَ بِهِ عِدَدَ الثَّلَاثِ، وَإِمَّا بِأَنْ يَقْتَرِنَ بِخُلْعٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ، وَابْنِ عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ: أَنَّهُمَا كَالَّتِي قَبْلَهَا إِذَا ارْتَجَعَهَا هَلْ تَبْنِي أَوْ تَسْتَأْنِفُ عَلَى قَوْلَيْنِ، لِأَنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ الثَّانِي مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ لِكَوْنِ الثَّانِي بَائِنًا وَالْأَوَّلِ رَجْعِيًّا، فَلَمْ يُؤَثِّرْ عَدَمُ الرَّجْعَةِ في

<<  <  ج: ص:  >  >>