أَرْشُ السِّرَايَةِ مَعَ الْقِصَاصِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى مَا مَضَى، فَلَوْ سَرَى قِصَاصُ الْجِنَايَةِ مِثْلَ سِرَايَةِ الْجِنَايَةِ لَمْ يَسْقُطْ بِهِ أَرْشُ سِرَايَةِ الْجِنَايَةِ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حُدُوثِ سِرَايَةِ الْجِنَايَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَصَارَ مَضْمُونًا، وَحُدُوثُ سِرَايَةِ الْقِصَاصِ عَنْ غَيْرِ مَضْمُونٍ فَلَمْ يَصِرْ مَضْمُونًا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَسْرِيَ الْجِنَايَةُ إِلَى ذَهَابِ ضَوْءِ الْعَيْنِ كَالْمُوضِحَةِ فِي الرَّأْسِ إِذَا ذَهَبَ بِهَا ضَوْءُ الْعَيْنِ، فَالَّذِي نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ نَصًّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ الْقِصَاصَ فِي السِّرَايَةِ إِلَيْهِ وَاجِبٌ، لِأَنَّ ضَوْءَ الْعَيْنِ لَيْسَ بشخص يرى فيؤخذ بقلع العين تارة وَبِالسِّرَايَةِ أُخْرَى فَأَشْبَهَ النَّفْسَ، فَاقْتَضَى أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ فِي السِّرَايَةِ إِلَيْهِ كَمَا يَجِبُ فِي السِّرَايَةِ إِلَى النَّفْسِ، فَيَصِيرُ هَذَا مُلْحَقًا بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا قِصَاصَ فِي الْمُوضِحَةِ وَلَا فِي السِّرَايَةِ كَمَا لَا يَجِبُ فِي الْأصْبع وَلَا فِي السِّرَايَةِ إِلَى الْكَفِّ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْمُوضِحَةِ وَفِي السِّرَايَةِ إِلَى ضَوْءِ الْعَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ فِي الْأصْبع وَالسِّرَايَةِ إِلَى الْكَفِّ، وَخَرَجَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ قَوْلًا ثَانِيًا لَمْ يُسَاعِدْهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ إنَّ السِّرَايَةَ إِلَى ضَوْءِ الْعَيْنِ لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ كَمَا لَا تُوجِبُهُ السِّرَايَةُ إِلَى أَعْضَاءِ الْجَسَدِ، لِأَنَّهُمَا سِرَايَتَانِ إِلَى مَا لَا دُونَ النَّفْسِ وَجَعَلَ ذَلِكَ مُلْحَقًا بِالْقِسْمِ الثَّانِي، فَأَمَّا السِّرَايَةُ إِلَى ذَهَابِ الشَّعْرِ فَلَا توجب القصاص، لأن الشعر عين تَرَى يُمْكِنُ أَنْ يُقْصَدَ بِالْأَخْذِ فَصَارَ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ فَصُورَةُ مَسْأَلَتِنَا فِي رَجُلٍ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً فَذَهَبَ مِنْهَا ضَوْءُ عَيْنَيْهِ وَشَعْرُ رَأْسِهِ، فَعَلَى مَنْصُوصِ الشَّافِعِيِّ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي السِّرَايَةِ إِلَى ضَوْءِ الْعَيْنِ، يُقْتَصُّ مِنْ مُوضِحَةِ الْجَانِي، فَإِنْ ذَهَبَ مِنْهَا ضَوْءُ عَيْنَيْهِ وَشَعْرُ رَأْسِهِ فَقَدِ اسْتَوْفَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حَقَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ مِنْهَا ضَوْءُ عَيْنَيْهِ وَلَا شَعْرُ رَأْسِهِ أُخِذَ مِنْهَا حُكُومَةٌ فِي الشَّعْرِ الزَّائِدِ عَلَى مَوْضِعِ الْمُوضِحَةِ، لِأَنَّ الشَّعْرَ الَّذِي فِي مَوْضِعِ الْمُوضِحَةِ قَدْ دَخَلَ فِي الْقِصَاصِ مِنْهَا أَوْ فِي أَرْشِ دِيَتِهَا، وَلَا يُعَالَجُ شعره حَتَّى يَذْهَبَ وَلَا يَعُودَ نَبَاتُهُ، لِأَنَّهُ قِصَاصٌ فِي السِّرَايَةِ إِلَى الشَّعْرِ، وَقَدْ كَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنْ يُؤْخَذَ مِنَ الجَانِي حُكُومَةٌ وَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ شَعْرٌ، غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ جَعَلَهُ تَبَعًا لِخِفَّةِ حُكْمِهِ مِنْ أَحْكَامِ الْأَعْضَاءِ، فَأَمَّا ضَوْءُ الْعَيْنِ إِذَا لَمْ يَذْهَبْ بِسِرَايَةِ الْقِصَاصِ فَإِنْ أَمْكَنَ يُعَالِجُ الْعَيْنَ بِمَا يُذْهِبُ ضَوْءَهَا مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ عَلَى الْحَدَقَةِ مِثْلَ الْكَافُورِ أَوْ مِيلٍ يُحْمَى بِالنَّارِ وَيُقَرَّبُ إِلَى الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذُوبَ بِهِ شَحْمُهَا اقْتُصَّ مِنْهُ بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إِلَّا بِقَلْعِ الْحَدَقَةِ لَمْ يَجُزْ قَطْعُهَا لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحَدَقَةَ عُضْوٌ لَمْ يُجْنَ عَلَيْهِ فَلَمْ يقتص منه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute