للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ مَعَ يَمِينِهَا فَجَعَلَ فِي مَسْأَلَةِ الرَّجْعَةِ وَالرِّدَّةِ الْقَوْلَ قَوْلَ الزَّوْجَةِ فِي رَفْعِ النِّكَاحِ وَجَعَلَ فِي إِسْلَامِ الْمُشْرِكِينَ الْقَوْلَ قَوْلَ الزَّوْجِ فِي بَقَاءِ النِّكَاحِ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ عَلَى ثَلَاثَةِ طُرُقٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ نَقَلُوا جَوَابَهُ فِي الرَّجْعَةِ وَالرِّدَّةِ إِلَى الْإِسْلَامِ فِي حَقِّ الزَّوْجَيْنِ، وَجَوَابَهُ فِي إِسْلَامِ الزَّوْجَيْنِ إِلَى الرَّجْعَةِ وَالرِّدَّةِ، وَخَرَّجُوا الْمَسَائِلَ الثَّلَاثَ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ القول قَوْلُ الزَّوْجِ فِي بَقَاءِ النِّكَاحِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي إِسْلَامِ الزَّوْجَيْنِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجَةِ فِي رَفْعِ النِّكَاحِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الرَّجْعَةِ وَالرِّدَّةِ، وَلَعَلَّ هذه طَرِيقَةُ أَبِي حَفْصِ بْنِ الْوَكِيلِ، وَأَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ.

وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ فَالْمَوْضِعُ الذي يحصل فِيهِ الْقَوْلَ قَوْلَ الزَّوْجَةِ فِي رَفْعِ النِّكَاحِ إِذَا بَدَأَتْ فَأَخْبَرَتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ رَجْعَةِ الزَّوْجِ وَإِسْلَامِهِ فَادَّعَى الزَّوْجُ تَقَدُّمَ رَجْعَتِهِ وَإِسْلَامِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي جَعَلَ فِيهِ الْقَوْلَ قَوْلَ الزَّوْجِ فِي بَقَاءِ النِّكَاحِ إِذَا بَدَأَ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ راجع وَأَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ فَادَّعَتِ الزَّوْجَةُ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَالرَّجْعَةِ، لِأَنَّ قَوْلَ مَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا مَقْبُولٌ فَلَمْ يَبْطُلْ بِمَا حَدَثَ بَعْدَهُ مِنْ دَعْوَى، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ.

وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: بَلْ هُوَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ إِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنِ اتَّفَقَا عَلَى صِدْقِهِ فِي زَمَانِ مَا ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ.

مِثَالُهُ: أَنْ تَقُولَ الزَّوْجَةُ انْقَضَتْ عِدَّتِي فِي رَمَضَانَ، وَأَسْلَمْتَ أَنْتَ أَوْ رَاجَعْتَ فِي شَوَّالٍ، فَقَالَ: بَلْ أَسْلَمْتُ وَرَاجَعْتُ فِي شَعْبَانَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى زَمَانِ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَاخْتِلَافِهِمَا فِي رَجْعَةِ الزَّوْجِ وَإِسْلَامِهِ، وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: لَعَمْرِي إِنَّنِي أَسْلَمْتُ وَرَاجَعْتُ فِي شَوَّالٍ لَكِنِ انْقَضَتْ عِدَّتُكِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الزَّوْجِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى زَمَانِ إِسْلَامِهِ وَرَجْعَتِهِ فِي زَمَانِ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

فَصْلٌ

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنِ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، فَإِنْ جُعِلَ الْقَوْلُ فِيهِنَّ قَوْلَ الزَّوْجَةِ فِي رَفْعِ النِّكَاحِ لَمْ يَكُنْ لها احْتَجَّ بِهِ الْمُزَنِيُّ فِي نُصْرَةِ قَوْلِهِ وَصِحَّةِ اخْتِيَارِهِ وَجْهٌ وَإِنْ جُعِلَ الْقَوْلُ فِيهِنَّ قَوْلَ الزَّوْجِ فِي بَقَاءِ النِّكَاحِ تَوَجَّهَ لَهُ الِاحْتِجَاجُ بِهِنَّ، وَكَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُنَّ فِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي بَقَاءِ النِّكَاحِ، وَبَيْنَ مَسْأَلَتِنَا فِي أَنَّ الْقَوْلَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ قَوْلُ الزَّوْجَةِ فِي رَفْعِ النِّكَاحِ وَإِنَّ الدَّعْوَى فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ مُتَقَابِلَةٌ وَلَيْسَ مَعَ أَحَدِهِمَا ظَاهِرٌ فَاعْتُبِرَ حُكْمُ الْأَصْلِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا مَعَ أَحَدِهِمَا ظَاهِرٌ فَاعْتُبِرَ حُكْمُ الظَّاهِرِ دُونَ الْأَصْلِ.

فَصْلٌ

فَأَمَّا إِذَا قَالَتِ الزَّوْجَةُ أَسْلَمْنَا مَعًا فَنَحْنُ على النكاح، وقال الزوج: بَلْ أَسْلَمَ أَحَدُنَا قَبْلَ صَاحِبِهِ فَلَا نِكَاحَ بَيْنَنَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي رَفْعِ النِّكَاحِ بِلَا يَمِينٍ، لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِالْفُرْقَةِ وَإِقْرَارُهُ بِهَا يَلْزَمُهُ وَلَوْ رَجَعَ عَنْهَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي سُقُوطِ نِصْفِ الْمَهْرِ، لأنه الأصل ثبوته.

<<  <  ج: ص:  >  >>