للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هدر، وإن لم يعلمه بالحال، وكان الموضع مظلماً، أو كانت الدَّاخِلُ ضَرِيرًا، فَفِي وُجُوبِ الضَّمَانِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بِالسَّبَبِ، وَلَا مُبَاشِرٍ لِلتَّلَفِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: عَلَيْهِ الضَّمَانُ فَخَرَجَ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِيمَنْ سَمَّ طَعَامًا، وَأُذِنَ فِي أَكْلِهِ، لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ؛ لِمَا يَخْفَى تَلَفُهُ.

(فَصْلٌ)

وَإِذَا أَوْقَدَ نَارًا فِي دَارِهِ، أَوْ سَجَّرَ بِهَا تَنُّورًا، فَطَارَ مِنْ شَرَرِ النَّارِ مَا أَتْلَفَ، وَأَحْرَقَ، فَلَا ضَمَانَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ غير متعد، وَقَدْ رَوَى مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنَّهُ قَالَ: " النَّارُ جُبَارٌ) وَفِي تَأْوِيلِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إِبَاحَةُ النَّارِ، وَأَنَّ مَنِ اقْتَبَسَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ له قِيمَةٌ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَوْقَدَهَا فِي حَقِّهِ، فَتَعَدَّتْ إِلَى غَيْرِهِ، لَمْ يَغْرَمْ مُوقِدُهَا مَا أَتْلَفَتْهُ، وَأَمَّا إِذَا أَحْرَقَ بِهَا حَشِيشًا فِي أَرْضِهِ، فَتَعَدَّتِ النَّارُ إِلَى زَرْعِ جَارِهِ، فَأَحْرَقَتْهُ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ زَرْعُ الْجَارِ غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِحَشِيشِ صَاحِبِ النَّارِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَمَا لَا يَضْمَنُ صَاحِبُ التَّنُّورِ مَا أَطَارَتْهُ الرِّيحُ مِنْ شَرَرِ نَارِهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ النَّابِتُ مُتَّصِلًا بِالْحَشِيشِ الْمَحْرُوقِ فَيَنْظُرُ فِي صِفَةِ الرِّيحِ وَقْتَ إِلْقَاءِ النَّارِ، فَإِنْ كَانَتْ مَصْرُوفَةً عَنْ جِهَةِ الزَّرْعِ بِهُبُوبِهَا إِلَى غَيْرِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ النَّارِ، وَإِنْ كَانَ هُبُوبُهَا إِلَى جِهَةِ الزَّرْعِ فَفِي الضَّمَانِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يجب؛ لأن من طبع النار أن تسري إِلَى جِهَةِ الرِّيحِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ هُبُوبَ الرِّيحِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ.

(فَصْلٌ)

وَإِذَا أَرْسَلَ الْمَاءَ فِي أَرْضِهِ فَخَرَجَ إِلَى أَرْضِ غَيْرِهِ، فَأَفْسَدَهَا، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَا أَرْسَلَهُ فِيهَا مِنَ الْمَاءِ بِقَدْرِ حَاجَتِهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا خَرَجَ مِنْهُ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الْحَاجَةِ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْجَزَ عَنْ حَبْسِ الزِّيَادَةِ لِطُغْيَانِ الْمَاءِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَقْدِرَ عَلَى حَبْسِهِ فَفِي وُجُوبِ الضَّمَانِ وَجْهَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>