وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُمَكَّنُ مِنْ قَطْعِهَا فِي السَّرِقَةِ وَإِنْ لَمْ يُمَكَّنْ مَنْ قَطَعِهَا قِصَاصًا، لِأَنَّ قَطْعَ السَّرِقَةِ مَوْضُوعٌ لِلزَّجْرِ وَهُوَ حَاصِلٌ إِذَا تَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ وَقَطْعُ الْقِصَاصِ مَوْضُوعٌ لِلتَّشَفِّي فَكَانَ مُسْتَحِقُّ التَّشَفِّي أَوْلَى بِهِ.
(فَصْلٌ)
وَلَا يُقْطَعُ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَلَا بَرْدٍ شَدِيدٍ خَوْفًا مِنْ تَلَفِهِ فِيهِ، كَمَا لَا يُحَدُّ الزَّانِي فِي شِدَّةِ حَرٍّ وَلَا بَرْدٍ، وَكَذَلِكَ لَا يُقْطَعُ فِي مَرَضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ فِيهِ أَشَدُّ خَوْفًا، وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ لَا تُقْطَعُ فِي حَمْلِهَا خَوْفًا عَلَيْهَا وَعَلَى حَمْلِهَا، وَلَا في نفاسها خوفاً عليها؛ لئلا لا يجتمع دم النفاس ودم القطع فيفضي إلى تلفها، قد مَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْ قَطْعِ جَارِيَةٍ نُفَسَاءَ حَتَّى يَنْقَطِعَ دَمُهَا.
[(مسألة)]
قال الشافعي: " وإن سَرَقَ الْخَامِسَةَ عُزِّرَ وَحُبِسَ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لَا يُتَجَاوَزُ بِالسَّارِقِ قَطْعُ أَطْرَافِهِ الْأَرْبَعِةِ فِي أَرْبَعِ سَرِقَاتٍ، فَإِنْ سَرَقَ فِي الْخَامِسَةِ عُزِّرَ وَلَمْ يُقْتَلْ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وحكي عن عثمان بن عفان وعطاء وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْخَامِسَةِ؛ لِرِوَايَةِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ آتِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِسَارِقٍ فَقَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ قَدْ سَرَقَ فَقَطَعَ رِجْلَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ قَدْ سَرَقَ فَقَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ قَدْ سَرَقَ فَقَطَعَ رِجْلَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ قَدْ سَرَقَ فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ.
وَدَلِيلُنَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا سَرَقَ السَّارِقُ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ) وَهَذَا قَوْلٌ قَصَدَ به - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَيَانِ، وَلَوْ وَجَبَ قَتْلُهُ فِي الْخَامِسَةِ لَأَبَانَهُ كَمَا أَبَانَ قَطْعَهُ فِي الْأَرْبَعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ بَعْضِ الْبَيَانِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ جَمِيعِهِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ؛ لِأَنَّهَا قَضِيَّةٌ فِي عين يجوز أن تحتمل وجوها.
وَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ أَنَّ الْقَتْلَ مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ رُفِعَ إِلَيْهِ فِي الْخَامِسَةِ فَلَمْ يَقْتُلْهُ، وَعَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ بَعْدَهُ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْقَتْلِ فَدَلَّ عَلَى تَقَدُّمِ نَسْخِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُلُوهُ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ أَوْجَبَتْ حَدًّا لَمْ يَكُنْ تَكْرَارُهَا مُوجِبًا لِلْقَتْلِ كَالزِّنَا وَالْقَذْفِ.
(مَسْأَلَةٌ)
قَالَ الشافعي: " وَلَا يُقْطَعُ الْحَرْبِيُّ إِذَا دَخَلَ إِلَيْنَا بِأَمَانٍ ويضمن السرقة) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ لَا يَخْلُو حَالُ الْمُقِيمِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مُسْلِمٍ، وَذِمِّيٍّ، وَمُسْتَأْمَنٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute