أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَاءَ قَدْ يُصَرَّفُ عَنْ أَرْضٍ إِلَى أُخْرَى وَيُسَاقُ إِلَيْهَا مَاءُ أَرْضٍ أُخْرَى.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْخَرَاجَ مَضْرُوبٌ عَلَى الْأَرْضِ دُونَ الْمَاءِ، وَالْعُشْرَ مُسْتَحَقٌّ فِي الزَّرْعِ دُونَ الْأَرْضِ وَالْمَاءِ إِذَا كَانَ الْمَاءُ فَرْعًا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحَدُ الْحَقَّيْنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْتَبَرَ بِهِ وَاحِدٌ مِنَ الْحَقَّيْنِ.
فَصْلٌ
: وَإِذَا أَرَادَ الرجل حفر بئر بالبادية فأحيائها يَكُونُ بِحَفْرِهَا حَتَّى يَصِلَ إِلَى مَائِهَا فَمَا لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ فَالْإِحْيَاءُ غَيْرُ تَامٍّ، فَإِذَا وَصَلَ إِلَى الْمَاءِ نُظِرَ فَإِنْ كَانَتِ الْأَرْضُ صُلْبَةً لَا تَحْتَاجُ إِلَى طَيٍّ فَقَدْ كَمُلَ الْإِحْيَاءُ وَتَمَّ الْمِلْكُ، وَإِنْ كَانَتِ الْأَرْضُ رَخْوَةً لَا تَسْتَغْنِي عَنْ طَيٍّ صَارَ الطَّيُّ مِنْ كَمَالِ الْإِحْيَاءِ فَمَا لَمْ يُطْوَ فَالْإِحْيَاءُ لَمْ يَكْمُلْ، فَإِذَا كَمُلَ الْإِحْيَاءُ نُظِرَ فَإِنْ حَفَرَهَا للسابلة صارت سبيلاً على ذي كبد حرى مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ، وَيَكُنْ حَافِرُهَا كَأَحَدِهِمْ، فَقَدْ وَقَفَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِرَدْمِهِ فَكَانَ يَغْتَرِفُ بِدَلْوِهِ مَعَ النَّاسِ، وَإِنْ حَفَرَهَا لِنَفْسِهِ فَقَدْ مَلَكَهَا وَحَرِيمَهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ فَضْلَ مَائِهَا، فَلَوْ أَرَادَ سَدَّهَا مُنِعَ مِنْهُ، لِمَا تَعَلَّقَ بِفَضْلِ مَائِهَا مِنْ حُقُوقِ السَّابِلَةِ، وَهَكَذَا لَوْ حَفَرَ نَهْرًا أَوْ سَاقَ عَيْنًا كَانَ فِي حُكْمِ الْبِئْرِ.
مَسْأَلَةٌ
قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَهُ مَرَافِقُهَا الَّتِي لَا يَكُونُ صَلَاحُهَا إِلَّا بِهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَكَذَا كَمَا قَالَ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا فَقَدْ مَلَكَهَا وَحَرِيمَهَا بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَلَى دَاوُدَ فِيمَا تَفَرَّدَ بِهِ عَنِ الْكَافَّةِ فِي إِبْطَالِ الْحَرِيمِ، فَإِذَا كَانَ حَرِيمُ الْأَرْضِ مِنْ حُقُوقِهَا فَهُوَ عِنْدَنَا مُعْتَبَرٌ بِالْعُرْفِ فِيمَا لَا تَسْتَغْنِي الْأَرْضُ عَنْهُ مِنْ مَرَافِقِهَا وَلَيْسَ بِحُدُودٍ، فَإِنْ كَانَتِ الْأَرْضُ الْمُحَيَّاةُ كَانَ حَرِيمُهَا طَرَفَهَا وَمَفِيضَ مَائِهَا وَيَبْدُرُ زَرْعُهَا وَمَا لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ مِنْ مَرَافِقِهَا، وَقَالَ أبو حنيفة: حَرِيمُهَا مَا لَمْ يبلغه مائها وَبَعُدَ مِنْهَا.
وَقَالَ أبو يوسف: حَرِيمُهَا مَا انْتَهَى إِلَيْهَا صَوْتُ الْمُنَادِي مِنْ حُدُودِهَا، وَكِلَا الْمَذْهَبَيْنِ تَرْكِيبٌ لِقَدْرٍ لَمْ يَرْكَبْهُ شَرْعٌ وَلَا اقْتَضَاهُ مَعْهُودٌ وَلَا أَوْجَبَهُ قِيَاسٌ وَلَيْسَ لِمَا لَمْ يُوجِبْهُ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا بِالْعُرْفِ فِيمَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ.
: وَإِنْ كَانَ الْمُحَيَّا دَارًا فَحَرِيمُهَا طَرِيقُهَا وَفِنَاؤُهَا، وَلما مُصِّرَتِ الْبَصْرَةُ وَجُعِلَتْ خُطَطًا لِقَبَائِلِ أَهْلِهَا جُعِلَ عَرْضُ كُلِّ شَارِعٍ مِنْ شوارعها عشرون زراعاً إِلَّا الْأَعْظَمَ مِنْ شَوَارِعِهَا فَإِنَّهُمْ جَعَلُوهُ سِتِّينَ ذراعاً، وجعلوا عرض كل زقاق تسع أزرع، وَجَعَلُوا فِي وَسَطِ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَحَبَةً فَسِيحَةً لِمَرَابِطِ خَيْلِهِمْ وَمَقَابِرِ مَوْتَاهُمْ، وَقَدْ رَوَى بَشِيرُ بْنُ كَعْبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: إِذَا اخْتَلَفَ الْقَوْمُ فِي طَرِيقٍ فَلْيُجْعَلْ سبعة أزرع، وَهَذَا إِنَّمَا قَالَهُ اخْتِيَارًا لَا حَتْمًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ حَدًّا فِيمَا أَحْيَاهُ لِأَصْحَابِهِ بِالْمَدِينَةِ.
: وَأَمَّا الْبِئْرُ وَالنَّهْرُ فَحَرِيمُهَا مُعْتَبَرٌ بِالْعُرْفِ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ، وَكَذَلِكَ الْعَيْنُ وَهُوَ قَدْرُ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ فِيمَا حولها، وقال أبو حنيفة حريم العين خمس مائة ذراع، وحريم بئر الناضج خمسون ذراعاً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute