للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَيْنِ أَجَازَ خُلْعَهَا لَمْ يَصِحَّ لِوُقُوعِهِ فَاسِدًا.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تُخَالِعَهُ عَلَى مَالٍ فِي ذِمَّتِهَا، فَالْخُلْعُ جَائِزٌ وَلَيْسَ لَهَا دَفْعُ الْمَالِ مِنْ كَسْبِهَا، لِعَدَمِ إِذْنِ السَّيِّدِ فِيهِ، وَيَكُونُ فِي ذِمَّتِهَا إِلَى أَنْ تُؤَدِّيَهُ بَعْدَ عِتْقِهَا.

فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا إِلَى وَقْتِ الْعِتْقِ وَهُوَ أَجَلٌ مَجْهُولٌ.

قِيلَ: إِنَّمَا تَكُونُ جَهَالَةُ الْأَجَلِ مُوجِبَةً لِفَسَادِ الْعَقْدِ، إِذَا كَانَ الْأَجَلُ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ دُونَ الشَّرْعِ، وَلَا يَبْطُلُ إِذَا كَانَ وَاجِبًا بِالشَّرْعِ إِلَّا أَنْ تَرَى إِعْسَارَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ يُوجِبُ إِنْظَارَهُ إِلَى وَقْتِ يَسَارِهِ، وَلَوْ شَرَطْتَهُ فِي الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ.

كَذَلِكَ الْأَمَةُ إِذَا خَالَعَتْهُ بِمَالٍ أَوْجَبَ الشَّرْعُ إِنْظَارَهَا بِهِ إِلَى وَقْتِ الْعِتْقِ جَازَ، وَلَوْ شَرَطَتْهُ إِلَى وَقْتِ الْعِتْقِ لَمْ يَجُزْ، وَكَانَ فَاسِدًا يَرْجِعُ عَلَيْهَا فِيهِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَهَكَذَا خُلْعُ الْمُدَبَّرَةِ، وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقَةِ بِصِفَةٍ لَمْ تَأْتِ.

فَأَمَّا الَّتِي نِصْفُهَا حُرٌّ، وَنِصْفُهَا مَمْلُوكٌ، فَإِنْ خَالَعَتْهُ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ بِنِصْفِهَا الْحُرِّ جَازَ، وَكَانَتْ فِيهِ كَالْحُرَّةِ وَإِنْ خَالَعَتْهُ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ لَمْ يَجُزْ، وَكَانَتْ فِيهِ كَالْأَمَةِ، وَإِنْ خَالَعَتْهُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ صَارَتِ الصِّفَةُ فِيهِ جَامِعَةً لِأَمْرَيْنِ يَخْتَلِفُ حُكْمُهُمَا فَيَكُونُ عَلَى مَا يُوجِبُهُ تَفْرِيقُ الصفقة بعد جمعها.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: (وَلَا الْمُكَاتَبَةُ وَلَوْ أَذِنَ لَهَا سَيِّدُهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ لِلسَّيِّدِ فَيَجُوزُ إِذْنُهُ فِيهِ وَلَا لَهَا فَيَجُوزُ مَا صَنَعَتْ فِي مَالِهَا وَطَلَاقُهُمَا بِذَلِكَ بَائِنٌ فَإِذَا أُعْتِقَتَا اتَّبِعُ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِمَهْرِ مِثْلِهَا كَمَا لَا أَحْكُمُ عَلَى الْمُفْلِسِ حَتَّى يُوسِرَ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا خَالَعَتِ الْمُكَاتَبَةُ زَوْجَهَا لَمْ يَخْلُ خُلْعُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَهِيَ فِيهِ كَالْأَمَةِ إِذَا خَالَعَتْ زَوْجَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهَا، لِأَنَّهَا وَإِنْ خَالَفَتِ الْأَمَةَ فِي التَّمَلُّكِ وَالتَّصَرُّفِ فَهُوَ مَقْصُودٌ عَلَى أَدَائِهِ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ دُونَ غَيْرِهِ، وَهِيَ كَالْأَمَةِ فِيمَا سِوَاهُ، وَإِنْ خَالَعَتْهُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ فَهُوَ إِذْنٌ مِنْهُ بِاسْتِهْلَاكِ مَالٍ فِي غَيْرِ الْأَدَاءِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي السَّيِّدِ إِذَا أَذِنَ لِمُكَاتَبِهِ فِي الْهِبَةِ هَلْ يَصِحُّ إِذْنُهُ فِيهِ، وَيَجُوزُ هِبَتُهُ لَهُ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَقْوَى تَصَرُّفًا مِنَ الْعَبْدِ، فَلَمَّا صَحَّتْ هِبَةُ الْعَبْدِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ كَانَ أَوْلَى أَنْ تَصِحَّ هِبَةُ الْمُكَاتَبِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ هِبَتُهُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ، وَإِنْ صَحَّتْ هِبَةُ الْعَبْدِ، لِأَنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُ مَا فِي يَدِ عَبْدِهِ، فَصَحَّ إِذْنُهُ فِيهِ، وَلَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِ مُكَاتَبِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ إِذْنُهُ فِيهِ، فَإِذَا ثَبَتَ الْقَوْلَانِ فِي هِبَةِ الْمُكَاتَبِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي خُلْعِ الْمُكَاتَبَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>