وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ قَدْ تَيَقَّنَ حُلُولَ النَّجَاسَةِ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ شَاكٌّ فِي زَوَالِهَا، فَلَوْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِحُلُولِ النَّجَاسَةِ فِي أَحَدِهِمَا فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ قَبُولُ خَبَرِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ إِذَا قِيلَ: إِنَّ الِاجْتِهَادَ فِيهِمَا لَا يَجُوزُ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ إِذَا قِيلَ إِنَّ الِاجْتِهَادَ فِيهِمَا يَجُوزُ
(مَسْأَلَةٌ)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وإن أصاب ثوم المرأة من دم حيضها قرضته بِالْمَاءِ حَتَى تُنَقِّيَهُ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ الْمَرْأَةِ مِنْ دَمِ حَيْضِهَا فَعَلَيْهَا غَسْلُهُ لِلصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَقَدْ سَأَلَتْهُ عَنْ دم الحيض، حتيه ثم اقرضيه ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ، فَإِنْ غَسَلَتْهُ وَأَزَالَتْهُ بِلَا حَتٍّ، وَلَا قَرْضٍ جَازَ
وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ: لَا يَجُوزُ لِلْخَبَرِ، وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ أمره بالحت والقرض مِنْ صِفَاتِ الْغَسْلِ، وَمُخَالَفَةُ الصِّفَةِ لَا تُبْطِلُ الْحُكْمَ مَعَ وُجُودِ الْإِزَالَةِ الْمَقْصُودَةِ بِالْغَسْلِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ لِأُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ: " نَدِّيهِ بِالْمَاءِ وَحُكِّيهِ بِصَلْعٍ، وَاغْسِلِيهِ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ " وَلَيْسَ هَذَا شَرْطٌ لَازِمٌ فِي الْغَسْلِ كَذَلِكَ الْحَتُّ وَالْقَرْضُ، فَإِذَا غَسَلَتْهُ بِالْمَاءِ فَزَالَ لَوْنُهُ وَأَثَرُهُ وَرِيحُهُ فَقَدْ طَهُرَ، وَجَازَ لَهَا الصَّلَاةُ فِيهِ وَإِنْ بَقِيَ لَوْنُهُ، أَوْ رِيحُهُ لَمْ يَطْهُرْ، وَإِنْ بَقِيَ أَثَرُهُ دُونَ لَوْنِهِ وَرِيحِهِ وَلَمْ يُمْكِنْ إِزَالَتُهُ فَقَدَ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ " الْأُمِّ " عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ فِيهِ لِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ مَيْمُونَةَ بِنْتَ يَسَارٍ سَأَلَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن دم الحيض إذا لم يخرج من الثَّوْبِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ، وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِبَعْضِ النِّسَاءِ فِي مِثْلِ هَذَا: " لَطِّخِيهِ بِوَرْسٍ "، وَلِأَنَّ مَا لَا يُقْدَرُ عَلَى إِزَالَتِهِ فِي حُكْمِ مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ مِنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ، وَأَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ فِي كَوْنِهِ مَعْفُوًّا عَنْهُ، وَمَنْ غَلِطَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَمَنَعَ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ فَقَدْ خَالَفَ مَنْصُوصَ الشَّافِعِيِّ مَعَ السنة والواردة فيه
[(مسألة)]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " ويجوز أن يصلي بثوب الْحَائِضِ وَالثَّوْبِ الَّذِي جَامَعَ فِيهِ الرَّجُلُ أَهْلَهُ "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَمَّا ثَوْبُ الْحَائِضِ، وَالنُّفَسَاءِ فَطَاهِرَانِ إِنْ لَمْ يُعْلَمْ فِيهِمَا نَجَاسَةٌ، وَالصَّلَاةُ فِيهِ جَائِزَةٌ وَالدَّلَالَةُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: " نَاوِلِينِي الخُمرة فَقَالَتْ: أَنَا حائض فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: لَيْسَتِ الْحَيْضَةُ فِي يَدِكِ " فَأَمَّا ثَوْبُ الْجُنُبِ الَّذِي جَامَعَ فِيهِ أَهْلَهُ فَطَاهِرٌ أَيْضًا، وَالصَّلَاةُ فِيهِ جَائِزَةٌ مَا لَمْ يُعْلَمْ فِيهِ نَجَاسَةٌ لِرِوَايَةِ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الَّذِي يُجَامِعُ أَهْلَهُ فِيهِ
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ لَقِيَ بَعْضَ الصَّحَابَةِ فَمَدَّ إِلَيْهِ يَدَهُ لِيُصَافِحَهُ فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute