أَحَدُهُمَا: بَاطِلٌ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَيْهِ مِلْكٌ وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ كِتَابَةٌ، وَإِنْ كُوتِبَ لَمْ يَعْتِقْ فِيهَا بِالْأَدَاءِ لَا عَلَى صِحَّةٍ، وَلَا عَلَى فَسَادٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشِّرَاءَ صَحِيحٌ لَكِنْ لَا يُقَرُّ عَلَى مِلْكِهِ، لِئَلَّا يَثْبُتَ لَهُ عَلَيْهِ صَغَارٌ، وَيُؤْخَذُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ إِمَّا بِبَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ الْخِيَارُ إِلَى السَّيِّدِ فِي الْبَيْعِ أَوِ الْعِتْقِ، فَإِذَا فَعَلَ أَحَدَهُمَا زَالَ الِاعْتِرَاضُ عَنْهُ، وَإِنْ دَبَّرَهُ وَلَمْ يُعْتِقْهُ لَمْ يُقَرَّ عَلَى تَدْبِيرِهِ لِمَا فِي التَّدْبِيرِ مِنِ اسْتِدَامَةِ رِقِّهِ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ، وَإِنْ كَاتَبَهُ فَفِي صِحَّةِ الْكِتَابَةِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ أَنَّ الْكِتَابَةَ صَحِيحَةٌ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا قَدْ رَفَعَتْ عَنْهُ يَدَ السَّيِّدِ، فَزَالَ عَنْهُ الصَّغَارُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ فِي النَّصْرَانِيَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ أُقِرَّ على الكتابة، فكذلك إن كَانَ الْإِسْلَامُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْكِتَابَةَ فَاسِدَةٌ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ بَقَاءَ الرِّقِّ وَثُبُوتَ الْحَجْرِ صَغَارٌ، وَالْكِتَابَةُ لَا تَرْفَعُ الرِّقَّ، وَلَا تَمْنَعُ الْحَجْرَ، فَلَمْ تَصِحَّ.
وَالثَّانِي: أَنَّ رَفْعَ الصَّغَارِ عَنِ الْمُسْلِمِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى لَا مِنْ حُقُوقِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ، لِأَنَّ رضى الْعَبْدِ بِهِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ، فَلَمَّا لَمْ يُقَرَّ الصَّغَارُ مُؤَبَّدًا لَمْ يُقَرَّ إِلَى غَايَةٍ.
فَأَمَّا إِذَا كَاتَبَهُ فِي النَّصْرَانِيَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَإِنَّمَا تُقَرُّ الْكِتَابَةُ، وَلَا يُبَاعُ فِيهَا، لِأَنَّهَا عُقِدَتْ فِي وَقْتِ الْجَوَازِ ثُمَّ طَرَأَ الْإِسْلَامُ عَلَى مُكَاتَبٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، فَلِذَلِكَ أُقِرَّتْ وَإِذَا عُقِدَتْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَقَدْ عُقِدَتْ عَلَى عَبْدٍ وَجَبَ بَيْعُهُ، فَلِذَلِكَ بَطَلَتْ، وَلَكِنْ لَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ النَّصْرَانِيُّ ثُمَّ كُوتِبَ كَانَتْ كِتَابَتُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ لِلتَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ تَوْجِيهًا، وَفَرْقًا.
فَصْلٌ
فَإِذَا تَقَرَّرَ الْقَوْلَانِ، فَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْكِتَابَةِ رُوعِيَ حَالُهَا، فَإِنْ أَدَّاهَا الْمُكَاتَبُ وَعَتَقَ زَالَ الِاعْتِرَاضُ عَنِ السَّيِّدِ، وَكَانَ لَهُ الْوَلَاءُ، وَإِنْ عَجَزَ وَرَقَّ أَخَذَ السَّيِّدُ حِينَئِذٍ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عتق، فإن لم يفعل واحد مِنْهَا بِيعَ عَلَيْهِ جَبْرًا، وَلَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مِلْكٌ لَهُ، فَلَا يُسْتَهْلَكُ عَلَيْهِ، وَإِنْ قلنا بفساد الكتابة منع في الحال مع إِقْرَارِهِ عَلَى تَمَلُّكِهِ، وَأُخِذَ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ، فَإِنْ تَأَخَّرَ الْمَالِكُ حَتَّى أَدَّى الْمَكَاتَبُ كِتَابَتُهُ عَتَقَ فِي كِتَابَةٍ فَاسِدَةٍ، فَيَرْجِعُ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ، فَيَرْجِعُ الْمُكَاتَبُ بِمَا أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ، وَيَتَقَاصَّانِهِ إن تجانسا، والله أعلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute