للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحجر: ٣٩، ٤٠] . فَاسْتَثْنَى الْمُخْلَصِينَ الْمُؤْمِنِينَ، وَنَفَى الْكَافِرِينَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهَا: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: ٤٢] . فَاسْتَثْنَى الْغَاوِينَ من الكافرين وبقي المؤمنين، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنَ الْآخَرِ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ أَكْثَرُ لِقَوْلِهِ: {وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: ١٧] . فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الاستثناء الأكثر وَقَالَ الشَّاعِرُ.

(أَدُّوا الَّتِي نَقَصَتْ تِسْعِينَ عَنْ مِائَةٍ ... ثُمَّ ابْعَثُوا حَكَمًا بِالْحَقِّ قَوَّالًا)

فَاسْتَثْنَى تِسْعِينَ مِنْ مِائَةٍ وَهِيَ الْأَكْثَرُ.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا مِنْ تَمْهِيدِ هَذِهِ الْأُصُولِ، كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الطَّلَاقِ مَبْنِيًّا عَلَيْهَا. فَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا وَاحِدَةً، طُلِّقَتِ اثْنَتَيْنِ، لِبَقَائِهَا بَعْدَ اسْتِثْنَائِهَا الْوَاحِدَةَ.

وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا وَاحِدَةً اثْنَتَيْنِ، طُلِّقَتْ وَاحِدَةً لِبَقَائِهَا بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ لِلِاثْنَتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا ثَلَاثًا، طُلِّقَتْ ثَلَاثًا لِإِيقَاعِهَا بَعْدَ اسْتِثْنَائِهَا وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ خَمْسًا إِلَّا ثَلَاثًا. فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا تُطَلَّقُ ثَلَاثًا، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مِنَ الطَّلَاقِ إِلَّا ثَلَاثًا، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا مِنَ الْخَمْسِ لَغْوٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا ثَلَاثًا، فَطُلِّقَتْ ثَلَاثًا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَقَدْ حَكَاهُ الْبُوَيْطِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تُطَلَّقُ اثْنَتَيْنِ، لِأَنَّ الخمس لغواً إِذَا لَمْ يَتَعَقَّبْهَا اسْتِثْنَاءٌ، فَأَمَّا مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ فَلَا تَكُونُ لَغْوًا لِأَنَّ الْبَاقِيَ هُوَ الْمَقْصُودُ، فَخَرَجَتْ عَنْ حُكْمِ اللَّغْوِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ خَمْسًا إِلَّا اثْنَتَيْنِ، طُلِّقَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَاحِدَةً لِعَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى الثَّلَاثِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: تُطَلَّقُ ثَلَاثًا لِعَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى الْخَمْسِ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعًا إِلَّا اثْنَتَيْنِ، طُلِّقَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَاحِدَةً، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي اثْنَتَيْنِ، وَلَكِنْ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ سِتًّا إِلَّا ثَلَاثًا، طُلِّقَتْ ثَلَاثًا عَلَى الْوَجْهَيْنِ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِنْ عَادَ إِلَى السِّتِّ فَقَدْ أَبْقَى ثَلَاثًا، وَإِنْ عَادَ إِلَى الثَّلَاثِ فَقَدِ اسْتَثْنَى جَمِيعَهَا فَلَمْ يَصِحَّ.

(فَصْلٌ:)

وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا اثْنَتَيْنِ إِلَّا وَاحِدَةً، طُلِّقَتِ اثْنَتَيْنِ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ نَفْيٌّ فَبَقِيَتْ بَعْدَهُ وَاحِدَةٌ، وَالِاسْتِثْنَاءَ الثَّانِي إِثْبَاتٌ فَزَادَتْ بِهِ وَاحِدَةٌ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الثَّانِيَ قَدْ أَسْقَطَ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ وَاحِدَةً، فَصَارَ الْبَاقِي مِنْهُ وَاحِدَةً، وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُسْتَثْنَى مِنَ الثَّلَاثِ فَبَقِيَتِ اثْنَتَانِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>