للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حُرٌ أَوْ إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ كُلُّ ذَلِكَ عِتْقٌ بِصِفَةٍ، فَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُدَبَّر وَالْعَبْدُ الْقِنُّ.

وَلَا يَخْلُو السَّيِّدُ فِي عَقْدِ الْعِتْقِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ حَالَتَيْنِ:

إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَعْقِدَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، فَإِذَا قَدِمَ زَيْدٌ، أَوْ دَخَلَ الدَّارَ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ عَتَقَ الْعَبْدُ مِنَ الثُّلُثِ، لِأَنَّهُ لَوْ عَجَّلَ عِتْقَهُ وَقْتَ عَقْدِهِ، كَانَ مِنَ الثُّلُثِ فَكَانَ تَعْلِيقُهُ بِالصِّفَةِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الثُّلُثِ وَإِنْ قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ دَخَلَ الْعَبْدُ الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يُعْتَقَ الْعَبْدُ بِالصِّفَةِ، لِأَنَّهَا مَعْقُودَةٌ عَلَى حَيَاةِ السَّيِّدِ فَلَمْ يُعْتَقْ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إِنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَقَدِمَ بَعْدَ مَوْتِهِ، لَمْ تُطَلَّقْ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُدَبَّرا عَتَقَ بِمَوْتِ السَّيِّدِ عَنْ تَدْبِيرِهِ وَإِنْ كَانَ قِنًّا رَقَّ لِوَرَثَتِهِ.

وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَعْقِدَ الْعِتْقَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ فَمَتَى قَدِمَ زَيْدٌ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ عَتَقَ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ لَا مِنْ ثُلُثِهِ، لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ عَجَّلَ عِتْقَهُ فِي حَالِ عِتْقِهِ، كَانَ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ فَكَذَلِكَ تَعْلِيقُهُ بِالصِّفَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ حُكْمَ الْعِتْقِ بِالْعَقْدِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْعَقْدِ، وَلَا يُعْتَبَرُ بِحَالِ الصِّفَةِ أَلَا تَرَاهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ فِي صِحَّةِ عَقْلِهِ إِذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَدِمَ زَيْدٌ وَقَدْ جُنَّ السَّيِّدُ عَتَقَ، وَلَوْ قَالَهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ بَعْدَ إِفَاقَتِهِ، لَمْ يُعْتَقْ وَمِثْلُهُ فِي عَقْدِ الطَّلَاقِ بِالصِّفَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: أَفَلَيْسَ لَوْ وَهَبَ فِي صِحَّتِهِ وَأَقْبَضَ فِي مَرَضِهِ، أَوْ حَابَى فِي صِحَّتِهِ فِي عَقْدِ بَيْعٍ بِشَرْطِ خِيَارٍ مَاتَ فِي تَضَاعِيفِهِ كَانَتِ الْهِبَةُ وَالْمُحَابَاةُ مُعْتَبَرَتَيْنِ مِنْ ثُلُثِهِ وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي الصِّحَّةِ لِوُجُودِ الِالْتِزَامِ فِي الْمَرَضِ فَهَلَّا كَانَ كَذَلِكَ فِي عِتْقِهِ بِالصِّفَةِ؟

قِيلَ: يَفْتَرِقَانِ وَلَا تَلْزَمُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ وَبَيْعَ الْمُحَابَاةِ قَدْ كَانَ فِيهِمَا قَادِرًا عَلَى إِبْطَالِهِمَا فِي مَرَضِهِ، فَأُجْرِيَ عَلَيْهِمَا حُكْمُ الْمَرَضِ حِينَ الْتَزَمَهُمَا فِيهِ، فَاعْتُبِرَا مِنْ ثُلُثِهِ، وَعَقْدُ الْعِتْقِ بِالصِّفَةِ لَازِمٌ فِي الصِّحَّةِ لَا يَقْدِرُ عَلَى فَسْخِهِ فِي حَالِ الْمَرَضِ فَأُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الصِّفَةِ فِي اعْتِبَارِهِ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ، وَلَوْ عَلَّقَهُ فِي الصِّحَّةِ بِمَا يَقْدِرُ عَلَى إِبْطَالِ حُكْمِهِ فِي الْمَرَضِ، كَقَوْلِهِ فِي صِحَّتِهِ لِعَبْدِهِ: إِنْ دَخَلْتُ أَنَا الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَدَخَلَهَا فِي مَرَضِهِ عَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ دُخُولِهَا فِي مَرَضِهِ، فَصَارَ بِدُخُولِهَا مُتَّهَمًا فِي حُقُوقِ وَرَثَتِهِ، فَصَارَ الْعِتْقُ مِنْ ثُلُثِهِ. وَهَكَذَا لَوْ قَالَ فِي صِحَّتِهِ إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ فِي مَرَضِي، فَعَبْدِي حُرٌّ، فَإِذَا قَدِمَ فِي مَرَضِهِ عَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ عَقَدَهُ بِمَا صَارَ بِهِ متهما في حقوق الورثة.

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَجِنَايَةُ الْمُدَبَّر جِنَايَةُ عَبْدٍ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>