للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّفْعِ، وَسَأَلَ يَمِينَهُ، فَفِي الْيَمِينِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ لِإِنْكَارِ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ عَدَمَ التَّصْرِيحِ بِهِ يُوجِبُ الرُّجُوعَ إِلَى مُرَادِهِ، وَمُرَادُهُ لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِإِخْبَارِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلْقَابِضِ سَبِيلٌ إِلَى الْعِلْمِ بِهِ.

(فَصْلٌ)

وَقَدْ يَتَفَرَّعُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ جِهَةِ الْمُرْتَهِنِ أَنْ يُبَرِّئَ الرَّاهِنَ مِنْ إِحْدَى الْأَلْفَيْنِ، ثُمَّ يَخْتَلِفَانِ، فَيَقُولُ الْمُرْتَهِنُ: أَبْرَأْتُكَ مِنَ الْأَلْفِ الَّتِي لَا رَهْنَ فِيهَا، وَيَقُولُ الرَّاهِنُ: بَلْ أَبْرَأْتَنِي مِنَ الْأَلْفِ الَّتِي فِيهَا الرَّهْنُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ الْمُبَرِّئِ، لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ كَالْقَضَاءِ، فَلَمَّا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْقَاضِي وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُبَرِّئِ ثُمَّ الْكَلَامُ فِي الْيَمِينِ عَلَى مَا مَضَى.

(فَصْلٌ)

وَقَدْ يَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الضَّمَانِ أَنْ يَكُونَ عَلَى رَجُلٍ أَلْفَانِ، إِحْدَاهُمَا مَضْمُونَةٌ عَنْهُ وَالْأُخْرَى غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَنْهُ فَيَقْضِي إِحْدَى الْأَلْفَيْنِ، ثُمَّ يَخْتَلِفَانِ، فَيَقُولُ الْقَاضِي: قَضَيْتَ الْمَضْمُونَةَ عَنِّي، وَيَقُولُ الْقَابِضُ: بَلْ قَبَضْتُ غَيْرَ الْمَضْمُونَةِ عَنْكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاضِي مَعَ يَمِينِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.

فَلَوْ أَنَّ صَاحِبَ الْأَلْفَيْنِ أَبْرَأَهُ مِنْ إِحْدَى الْأَلْفَيْنِ، ثُمَّ اخْتَلَفَا، فَقَالَ الْمُبَرِّئُ، أَبْرَأْتُكَ مِنَ الْأَلْفِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ، وَقَالَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ: أَبْرَأْتَنِي مِنَ الْأَلْفِ الْمَضْمُونَةِ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُبَرِّئِ وَالْكَلَامُ فِي يَمِينِهِ عَلَى مَا مَضَى، وَالدَّعْوَى عَلَى ذَلِكَ مَسْمُوعَةٌ مِنَ الضَّامِنِ دُونَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ.

(فَصْلٌ)

وَقَدْ يَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الرَّهْنِ وَالضَّمَانِ، أَنْ يَكُونَ عَلَى الرَّجُلِ أَلْفَانِ أَحَدُهُمَا بِرَهْنٍ وَالْأُخْرَى بِضَمِينٍ فَيَقْضِي إِحْدَى الْأَلْفَيْنِ، ثُمَّ يَخْتَلِفُ الْقَاضِي وَالضَّامِنُ، فَيَقُولُ الْقَاضِي: قَضَيْتُ عَنِ الْأَلْفِ الَّتِي فِيهَا الرَّهْنُ فَقَدْ خَرَجَ الرَّهْنُ وَبَقِيَ الضَّمَانُ يَقُولُ الضَّامِنُ: بَلْ قَضَيْتَ الْأَلْفَ الَّتِي ضَمِنْتُهَا عَنْكَ فَقَدْ خَرَجَ الضَّمَانُ وَبَقِيَ الرَّهْنُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاضِي لِمَا ذَكَرْنَا وَالْكَلَامُ فِي يَمِينِهِ عَلَى مَا مَضَى، ثُمَّ لَا يَخْلُو صَاحِبُ الدَّيْنِ، مِنْ أَنْ يُصَدِّقَ الْقَاضِيَ أَوِ الضَّامِنَ، فَإِنْ صَدَّقَ الْقَاضِيَ، كَانَ الضَّمَانُ بِحَالِهِ، وَلَيْسَ لِلضَّامِنِ إِحْلَافُ صَاحِبِ الدَّيْنِ، وَإِنَّمَا لَهُ إِحْلَافُ الْقَاضِي.

وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ قَدْ صَدَّقَ الضَّامِنَ وَكَذَّبَ الْقَاضِيَ، كَانَ تَصْدِيقُهُ مَقْبُولًا عَلَى نَفْسِهِ فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ وَبَرَاءَةِ الضَّامِنِ، وَلَا يَكُونُ مَقْبُولًا عَلَى الْقَاضِي فِي بَقَاءِ الرَّهْنِ، وَتَكُونُ الْأَلْفُ الثَّانِيَةُ لَهُ بِلَا رهن وضمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>