للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُوضَعَ حَدِيدَةُ الْقِصَاصِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا مِنَ الجِنَايَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: أَفَلَيْسَ لَوْ سَرَتْ إِلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يسر القصاص إلى نفس الجاني.

قيل ووضع حَدِيد الْقِصَاصِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ مِنَ الجِنَايَةِ؟

قيل: لأن القصاص في النفس يستهلك به [جميع الجسد وفيما دون النَّفْسِ لَا يُسْتَهْلَكُ بِهِ] إِلَّا عُضْوُ الْجِنَايَةِ وَحْدَهُ فَافْتَرَقَا، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْقِصَاصُ فِي ضَوْءِ الْعَيْنِ أُخِذَ مِنْهُ دِيَتُهَا مَعَ حُكُومَةِ الشَّعْرِ بَعْدَ الْقِصَاصِ مِنَ المُوضِحَةِ، وَلَوْ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهَا يُضَمُّ إِلَى ذَلِكَ دِيَةُ الْمُوضِحَةِ.

فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي خَرَّجَهُ الْمَرْوَزِيُّ، إنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي ذَهَابِ ضَوْءِ الْعَيْنِ بِالسِّرَايَةِ فَيُقْتَصُّ مِنَ المُوضِحَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنَ الجَانِي دِيَةٌ فِي ذَهَابِ ضَوْءِ الْعَيْنِ، وَحُكُومَةٌ فِي ذَهَابِ الشَّعْرِ، سَوَاءٌ سَرَى قِصَاصُ الْمُوضِحَةِ إِلَى ذَهَابِ ضَوْءِ عَيْنِ الْجَانِي وَذَهَابِ شَعْرِهِ أَمْ لَا، كَمَا قُلْنَا فِي السِّرَايَةِ إِلَى الْكَفِّ بِقَطْعِ الْأصْبع لَمَّا لَمْ يَجِبْ فِيهِ الْقِصَاصُ لَمْ تَكُنْ سِرَايَةُ الْقِصَاصِ إِلَى الْكَفِّ مُسْقِطًا لِمَا وَجَبَ مِنْ أَرْشِ الْكَفِّ، فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ السِّرَايَةِ فِي النَّفْسِ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيهِمَا وَهُوَ الْأَصَحُّ.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا إِنْ لَطَمَهُ فَأَذْهَبَ ضَوْءَ عَيْنِهِ فَإِنْ كَانَتِ اللَّطْمَةُ يَذْهَبُ بِمِثْلِهَا ضَوْءُ الْعَيْنِ فِي الْغَالِبِ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِيهَا بِلَطْمَةٍ يُقْصَدُ بِهَا ذَهَابُ ضَوْءِ العين، [ولا يقصد بها القصاص في اللطمة] فَإِنْ ذَهَبَ بِهَا ضَوْءُ الْعَيْنِ فَقَدِ اسْتَوْفَى الْقِصَاصَ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ مِنْهَا ضَوْءُ العين وأمكن أن يؤخذ ضؤها مَعَ بَقَاءِ الْحَدَقَةِ بِغَيْرِ حَدِيدٍ فُعِلَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أُخِذَتْ مِنْهُ دِيَةُ الْعَيْنِ، وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ فِي اللَّطْمَةِ لِاسْتِيفَاءِ مَا حَدَثَ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَتِ اللَّطْمَةُ لَا يَذْهَبُ فِي الْأَغْلَبِ مِنْهَا ضَوْءُ الْعَيْنِ وَيَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ فَلَا قِصَاصَ فِيهَا؛ - لِأَنَّهَا عَمْدُ الْخَطَأِ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ دِيَةُ الْعَيْنِ وَلَا يُعَزَّرُ فِي اللَّطْمَةِ، لِأَنَّهُ قَدِ اسْتُوفِيَ مِنْهُ حَقُّهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[(مسألة)]

قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَا أَبْلُغَ بِشَعْرِ رأسه ولا بشعر لحيته دية (قال المزني) رحمه الله هذا أشبه بقوله عندي قياساً على قوله إذا قطع يده فمات عنها أنه يقطع فإن مات منها فقد استوفى حقه فكذلك إذا شجه مقتصا فذهبت منها عيناه وشعره فقد أخذ حقه غير أني أقول إن لم ينبت شعره فعليه حكومة الشعر ما خلا موضع الموضحة فإنه داخل في الموضحة فلا نغرمه مرتين ".

<<  <  ج: ص:  >  >>