فَعَلَى هَذَا إِذَا مَنَعَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا بِالْمَرَضِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِفَوَاتِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَلَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا لَزِمَتْهُ النَّفَقَةُ كَمَا لَوْ مَرِضَتْ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَكَانَ لَهَا النَّفَقَةُ؛ لَأَنَّ الْمَرَضَ الْحَادِثَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، لَا يُسْقِطُ النَّفَقَةَ وَإِنْ منع من الوطء كالحيض.
القول في إفضاء الزوجة
[مسألة]
قال الشافعي: " وَإِنْ أَفْضَاهَا فَلَمْ تَلْتَئِمْ فَعَلَيْهِ دِيَتُهَا وَلَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا وَلَهَا مَنْعُهُ أَنْ يُصِيبَهَا حَتَّى تَبْرَأَ الْبُرْءَ الَّذِي إِنْ عَادَ لَمْ يَنْكَأْهَا وَلَمْ يَزِدْ فِي جُرْحِهَا وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قولها ".
قال الماوردي: وصورتها: في رجل وطأ زَوْجَتَهُ فَأَفْضَاهَا بِشِدَّةِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْإِيلَاجِ وَالْإِفْضَاءُ: هُوَ أَنْ يَتَخَرَّقَ الْحَاجِزُ الَّذِي بَيْنَ مَدْخَلِ الذَّكَرِ وَمَخْرَجِ الْبَوْلِ؛ لِأَنَّ مَدْخَلَ الذَّكَرِ فِي مَخْرَجِ الْحَيْضِ وَالْمَنِيِّ، فَأَمَّا الْبَوْلُ فَمَخْرَجُهُ مِنْ غَيْرِهِ وَبَيْنَهُمَا حَاجِزٌ، فَإِذَا بَالَغَ الْوَاطِئُ فِي إِيلَاجِهِ خَرَقَ الْحَاجِزَ بَيْنَ الْمَخْرَجَيْنِ فَهَذَا هُوَ الْإِفْضَاءُ.
وَوَهِمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَجَعَلَ الْإِفْضَاءَ خَرْقَ الْحَاجِزِ بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ حَتَّى يَصِيرَ السَّبِيلَانِ وَاحِدًا، وَهَذَا وَهْمٌ مِنْ قَائِلِهِ.
فَإِذَا أَفْضَى زَوْجَتَهُ بِوَطْئِهِ فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ بِالْوَطْءِ وَالدِّيَةُ بِالْإِفْضَاءِ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَوْلُ مُسْتَمْسِكًا أَوْ مُسْتَرْسِلًا، وكذلك لو وطأ أَجْنَبِيَّةً بِشُبْهَةٍ أَوِ اسْتَكْرَهَهَا عَلَى نَفْسِهَا فَأَفْضَاهَا كَانَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَمَهْرُ الْمِثْلِ وَلَوْ طَاوَعَتْهُ عَلَى الزِّنَا كَانَ عَلَيْهِ دِيَةُ الْإِفْضَاءِ دُونَ الْمَهْرِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ أَفْضَى زَوْجَتَهُ فلا شيء عليه في الإفضاء، عليه الْمَهْرُ بِالْعَقْدِ، وَإِنْ أَفْضَى أَجْنَبِيَّةً بِوَطْءِ شُبْهَةٍ فَإِنْ كَانَ الْبَوْلُ مُسْتَرْسِلًا فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي الْإِفْضَاءِ وَلَا مَهْرَ فِي الْوَطْءِ، وَإِنْ كَانَ الْبَوْلُ مُسْتَمْسِكًا فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ بِالْوَطْءِ وَثُلُثُ الدِّيَةِ بِالْإِفْضَاءِ كَالْجَائِفَةِ وَإِنْ أَفْضَى أَجْنَبِيَّةً بِوَطْءِ إِكْرَاهٍ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ دُونَ الْمَهْرِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: فِي الْإِفْضَاءِ حُكُومَةٌ.
وَالْكَلَامُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ هَاهُنَا فِي إِفْضَاءِ الزَّوْجَةِ، وَإِفْضَاءُ مَنْ سِوَاهَا لَهُ مَوْضُوعٌ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ.
وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ إِفْضَاءَ الزَّوْجَةِ هَدْرٌ لَا يُضْمَنُ بِأَنَّ السِّرَايَةَ عَنْ مُسْتَحَقٍّ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ، كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ إِذَا سَرَى إِلَى النَّفْسِ لَمْ يُضْمَنْ؛ لِحُدُوثِهِ عَنْ مُسْتَحَقٍّ، كَذَلِكَ الْإِفْضَاءُ سَرَى عَنْ وَطْءٍ مُسْتَحَقٍّ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُضْمَنَ.
وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّهَا جِنَايَةٌ تَنْفَكُّ عَنِ الْوَطْءِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ أَرْشُهَا بِاسْتِحْقَاقِ الْوَطْءِ، كَمَا لَوْ وَطِئَهَا وَقَطَعَ يَدَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ بِغَيْرِ مَا تَجِبُ بِهِ الدِّيَةُ، لِأَنَّ الْمَهْرَ عِنْدَهُمْ