انقضت عِدَّتُهَا مَضَتْ فِي حَجِّهَا، فَإِنْ أَدْرَكَتِ الْحَجَّ أَجْزَأَهَا، وَإِنْ فَاتَهَا الْحَجُّ أَحَلَّتْ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ، وَوَجَبَ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ، وَدَمُ الْفَوَاتِ كَالْغَائِبِ سَوَاءٌ، فَأَمَّا إِذَا أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ غَيْرَ مُعْتَدَّةٍ، ثُمَّ طَرَأَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي الْإِحْرَامِ بِوَفَاةِ زَوْجٍ أَوْ طَلَاقٍ، فَعَلَيْهَا الْمُضِيُّ فِي إِحْرَامِهَا، وَلَا تَكُونُ الْعِدَّةُ مَانِعَةً لَهَا لِتَقَدُّمِ الْإِحْرَامِ عَلَيْهَا فَإِنْ مَنَعَهَا مِنْ إِتْمَامِ حَجِّهَا حَاكِمٌ لِأَجْلِ عِدَّتِهَا كَانَتْ كَالْمُحْصَرَةِ حِينَئِذٍ فَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَحَلَّلَ وَعَلَيْهَا دَمُ الْإِحْصَارِ.
فَصْلٌ
: فَأَمَّا إِذَا أَرَادَ الْوَلَدُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فَيَنْبَغِيَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ أَبَوَيْهِ أَوِ الْبَاقِيَ مِنْهُمَا فَإِنْ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِمَا انْعَقَدَ إِحْرَامُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَنْعُهُ وَلَوْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إِذْنِهِمَا فَإِنْ كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ فَإِحْرَامُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ إِحْرَامَ غَيْرِ الْبَالِغِ لَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بِإِذْنِ وَلَيِّهِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: إِحْرَامُهُ يَنْعَقِدُ كَالْبَالِغِ وَلِوَالِدِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ وَيَفْسَخَهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَإِحْرَامُهُ مُنْعَقِدٌ فَإِنْ أراد والده أَنْ يَمْنَعَاهُ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَ الْحَجُّ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ فَرْضًا فَلَيْسَ لَهُمَا مَنْعُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ عَلَيْهِمَا مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ وَكَانَ تَقْدِيمُ الْفَرْضِ أَوْلَى مِنْهُ وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَهَلْ لَهُمَا مَنْعُهُ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَهُمَا مَنْعُهُ وَأَشَارَ إِلَيْهِ فِي " الْإِمْلَاءِ " كَالْجِهَادِ أَلَا تَرَى إِلَى مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَأَى رَجُلًا يُجَاهِدُ فَقَالَ: " أَلَكَ أَبَوَانِ " قَالَ: نَعَمْ قَالَ: " فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ " فَلَمَّا مَنَعَهُ مِنَ الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ يَتَعَيَّنُ بِالدُّخُولِ فِيهِ كَانَ مَنْعُهُ مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ أَوْلَى فَعَلَى هَذَا إِذَا مَنَعَاهُ كَانَ كَالْمُحْصَرِ يَتَحَلَّلُ وَعَلَيْهِ دَمٌ، فَلَوْ أَذِنَ لَهُ أَحَدُهُمَا وَمَنْعَهُ الْآخَرُ فَإِنْ كَانَ الْآذِنَ مِنْهُمَا الْأَبُ وَالْمَانِعَ الْأُمُّ مَضَى فِي حَجِّهِ وَلَمْ يَتَحَلَّلْ، وَإِنْ كَانَ الْمَانِعَ الْأَبُ وَالْآذِنَ الْأُمُّ كَانَ لَهُ مَنْعُهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَيْسَ لِأَبَوَيْهِ وَلَا لِأَحَدُهُمَا مَنْعُهُ مِنَ التَّطَوُّعِ كَمَا لَمْ يُمْكِنْ لهما منعه من الفروض؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ قَدْ صَارَ لَازِمًا فِيهِ كَالْفَرْضِ، وَهَذَا الْقَوْلُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ " الْأُمِّ ".
[فصل]
: فأما المولى عليه بالسفه فليس لوليه أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ نَفَقَةَ حَجِّهِ وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي " الْإِمْلَاءِ ": لَمْ يُجْبَرْ وَلِيُّهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا، وَيُقَالُ لَهُ إِنْ قَدَرْتَ عَلَى إِتْمَامِ حَجِّكَ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَكَ وَلَا لَكَ أَنْ تُحِلَّ وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ فَلَكَ أَنْ تُحِلَّ بِمَا يُحِلُّ بِهِ الْمُحْصَرُ مِنَ الْعَدُوِّ، وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى نَفَقَةٍ هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهَا فَصَارَ كَالْمَمْنُوعِ بِإِحْصَارِ الْعَدُوِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute