فَرَوَى سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا) .
وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ عَنْ عُنُقِهِ) .
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ الدَّالُّ عَلَى إِبَاحَةِ قِتَالِهِمْ: فَهُوَ مُنْعَقِدٌ عَنْ فِعْلِ إِمَامَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَبُو بَكْرٍ فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ.
وَالثَّانِي: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي قتال خَلَعَ طَاعَتَهُ.
فَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَاتَلَ طَائِفَتَيْنِ:
طَائِفَةٌ: ارْتَدَتْ عَنِ الْإِسْلَامِ مَعَ مُسَيْلِمَةَ وَطُلَيْحَةَ وَالْعَنْسِيَّ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي قِتَالِهِمْ أَحَدٌ.
وَطَائِفَةٌ: أَقَامُوا عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَنَعُوا الزَّكَاةَ بِتَأْوِيلٍ اشْتَبَهَ، فَخَالَفَهُ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ فِي الِابْتِدَاءِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَأْيِهِ وَوَافَقُوهُ عَلَيْهِ فِي الِانْتِهَاءِ حِينَ وَضَحَ لَهُمُ الصَّوَابُ وَزَالَتْ عَنْهُمُ الشُّبْهَةُ.
وَنَحْنُ نَذْكُرُ شَرْحَهُ مِنْ بَعْدُ مُفَصَّلًا، فَكَانَ انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ مَعَهُ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْمُخَالَفَةِ لَهُ أَوْكَدَ.
وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ شَهِدَ بِنَفْسِهِ قِتَالَ مَنْ بَغَى عَلَيْهِ، فَأَوَّلُ مَنْ قَاتَلَ مِنْهُمْ أَهْلَ الْجَمَلِ بِالْبَصْرَةِ مَعَ عَائِشَةَ.
وَثَنَّى بِقِتَالِ أَهْلِ الشَّامِ بِصِفِّينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ.
وَثَلَّثَ بِقِتَالِ أَهْلِ النَّهْرَوَانِ مِنَ الْخَوَارِجِ.
فَسَارَ فِي قِتَالِهِمْ سِيرَةَ أَبِي بَكْرٍ فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ إِبَاحَةُ قِتَالِهِمْ عَلَى بَغْيِهِمْ، فَقِتَالُهُمْ مُعْتَبَرٌ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا، وَرَابِعٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ.