للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنَّمَا خَصَّ الْيُمْنَى بِالْأَعْلَى وَالْيُسْرَى بِالْأَسْفَلِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَائِشَةَ رَوَتْ، وَقَالَتْ كَانَتْ يُمْنَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِمَا عَلَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ يُسْرَاهُ لِمَا سَفُلَ.

وَالثَّانِي: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ هَكَذَا كَانَ يَمْسَحُ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ مِنَ السُّنَّةِ مَعَ مَسْحِ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ أَنْ يَمْسَحَ حَوْلَ الْعَقِبِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ ظَاهِرُ مَا رَوَاهُ الْمُزَنِيُّ هَاهُنَا أَنَّ مَسْحَهُ لَيْسَ بِمَسْنُونٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى أَنَّ مَسْحَهُ مَسْنُونٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، لِأَنَّهُ مِنْ بَقَايَا مَحَلِّ الْفَرْضِ، فَلَوْ مَسَحَ الْأَعْلَى بِالْيُسْرَى وَالْأَسْفَلَ بِالْيُمْنَى لَكَانَ مُخَالِفًا لِلْأَدَبِ فِي الْفِعْلِ وَمُؤَدِّيًا لسنة المسح.

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ مَسَحَ عَلَى بَاطِنِ الْخُفِّ وَتَرَكَ الظَّاهِرَ أَعَادَ وَإِنْ مَسَحَ عَلَى الظَّاهِرِ وَتَرَكَ الْبَاطِنَ أَجْزَأَهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ لِلْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَرْبَعَةَ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: حَالُ كَمَالٍ وَهُوَ أَنْ يَمْسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ عَلَى مَا مَضَى.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: حَالُ إِجْزَاءٍ، وَهُوَ أَنْ يَمْسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ دُونَ أَسْفَلِهِ.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: حَالٌ لَا كَمَالَ فِيهَا وَلَا إِجْزَاءَ وَهُوَ أَنْ يُمْسَحَ مَا فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ مِنْ سَاقِ الْخُفِّ.

وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ: مُخْتَلَفٌ فِيهَا، وَهُوَ أَنْ يَمْسَحَ أَسْفَلَ الْخُفِّ دُونَ أَعْلَاهُ فَالَّذِي نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَأَنَّ مَسْحَهُ لَا يُجْزِئُ وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ يَذْهَبُ إِلَى جَوَازِهِ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَنَّ الْمُزَنِيَّ لَمْ يَحْكِهِ نَصًّا، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ دَلِيلِ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَلَوْ مَسَحَ عَلَى الظَّاهِرِ، وَتَرَكَ الْبَاطِنَ، أَجْزَأَهُ، فَظَنَّ بِدَلِيلِ كَلَامِهِ أَنَّ مَسْحَ بَاطِنِهِ دُونَ ظَاهِرِهِ لَا يُجْزِئُ فَكَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يُخْرِجُهُ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُجْزِئُ وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة وَاخْتِيَارُ أَبِي الْعَبَّاسِ بِقَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ. وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يمسح على ظاهر خفه، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: " لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ " لِأَنَّهُ يُلَاقِي الْأَنْجَاسَ، فَكَانَ مَسْحُهُ لِإِزَالَةِ مَا لَاقَى مِنَ النَّجَاسَةِ أَوْلَى، لَكِنَّ الرَّأْيَ مَتْرُوكٌ بِالنَّصِّ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُجْزِئُ مَسْحُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ؛ لِأَنَّهُ يُقَابِلُ مَسْحَ الفرض

<<  <  ج: ص:  >  >>