النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: من بسط ثوباه فَأُحَدِّثُهُ بِأَحَادِيثَ لَا يَنْسَاهَا فَبَسَطْتُ ثَوْبِي فَحَدَّثَنِي بأحاديث فَجَمَتُ أَطْرَافَهَا فَمَا نَسِيتُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلَّمَا سَمِعْتُ مِنْهُ.
وِقِدْ رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَثْنَى عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ: حَفِظَ اللَّهُ عَلَيْكَ كَمَا حَفِظْتَ عَلَيْنَا سُنَنَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: إِنَّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ زَرْعًا، فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهُ قَدْحًا وَإِنَّمَا لَهُ أَحَدُ جَوَابَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهُ زَرْعًا فَحَفِظَ ذِكْرَ الزَّرْعِ وَلَيْسَ لِابْنِ عُمَرَ زَرْعٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّ لَهُ زَرْعًا فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْإِذْنِ فِي كَلْبِ الزَّرْعِ. وَأَمَّا إِنْكَارُ عَائِشَةَ عَلَيْهِ الْكَثْرَةَ فَمَعْنَاهُ: أَنَّهَا أَنْكَرَتْ كَثْرَةَ رِوَايَتِهِ لَا أَنَّهَا نَسَبَتْهُ إِلَى التَّخَوُّضِ وَالْكَذِبِ. كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ أَقِلَّ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَكَانَ يَتَقَدَّمُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَيَقُولُ لَهُمْ: أَقِلُّوا وَأَنَا شَرِيكُكُمْ.
وَأَمَّا قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ لَقَدْ كَانَ يُؤْخَذُ بِرِوَايَاتِ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَنَقُولُ: لَيْسَ لَهُ مَحْصُولٌ: لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ إِنْ كَانَ مَوْثُوقًا بِهِ وَجَبَ قَبُولُ جَمِيعِ رِوَايَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَوْثُوقٍ بِهِ لَمْ يَجُزْ قَبُولُ شَيْءٍ مِنْ رِوَايَاتِهِ، فَأَمَّا قَبُولُ بَعْضِهَا وَتَرْكُ بَعْضِهَا فَلَا وَجْهَ لَهُ.
ثُمَّ لَيْسَ هَذَا بِمَانِعٍ مِنْ ظُهُورِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فِي مَسْأَلَتِنَا، لِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَوْ عَدَلْنَا عَنِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ لَكَانَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ كَافِيًا فِي تَحْرِيمِ اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَقَصَ مِنْ أجره كل يوم قيراطان: فيهما عِبَارَةٌ عَنْ جُزْأَيْنِ مِنْ عَمَلِهِ.
وَاخْتَلَفُوا: هَلِ الْمُرَادُ بِهِ مِنْ عَمَلِهِ الْمَاضِي أَوِ الْمُسْتَقْبَلِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مِنْ مَاضِي عَمَلِهِ، وَقَالَ آخَرُونَ: مِنْ مُسْتَقْبَلِ عَمَلِهِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَيِّ عَمَلٍ يَذْهَبُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ جُزْءًا مِنْ عَمَلِ اللَّيْلِ وَجُزْءًا مِنْ عَمَلِ النَّهَارِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ جُزْءًا مِنْ عَمَلِ الْفَرْضِ وَجُزْءًا مِنْ عَمَلِ النَّفْلِ.
فَصْلٌ:
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالْكِلَابُ ضَرْبَانِ مُنْتَفَعٌ بِهِ وَغَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ، فَمَا كَانَ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ حَرُمَ اقْتِنَاؤُهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ ولا صورة ".