للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن كان مالا يُنْتَفَعُ بِهِ عَقُورًا مُؤْذِيًا قُتِلَ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: الْكِلَابُ أُمَّةٌ فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بِهِيمٍ.

وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ أَمْرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ. قَالَ: فَكَانَ رَجُلٌ يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ يَطُوفُ عَلَيْهَا وَبِيَدِهِ الْحَرْبَةُ فَيَقْتُلُهَا.

فَأَمَّا مَا كَانَ غَيْرُ عقور ولا مؤذي فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فِي كُلِّ كَبِدٍ حَرَّى أَجْرٌ ".

وَأَمَّا الْمُنْتَفَعُ بِهِ فَقَدْ جَاءَتِ الرِّوَايَةُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالِانْتِفَاعِ بِهِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءٍ: فِي الصَّيْدِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ. فَأَمَّا كَلْبُ الصَّيْدِ فَهُوَ مَا كَانَ مُعَلَّمًا يُصَادُ بِهِ فَاقْتِنَاؤُهُ لِمَنْ يَصِيدُ بِهِ مُبَاحٌ، لِأَنَّ مِنَ الصَّيْدِ مَا لَا يَصِيدُهُ جَارِحٌ غَيْرَ الْكَلْبِ كَالثَّعَالِبِ وَالْأَرَانِبِ فَكَانَتِ الْحَاجَةُ دَاعِيَةً إِلَى اقْتِنَائِهِ.

فَأَمَّا كَلْبُ الْحَرْثِ فَهُوَ كَلْبُ أَصْحَابِ الزُّرُوعِ؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُ زُرُوعَهُمْ مِنَ الْوَحْشِ لَا سِيَّمَا فِي اللَّيْلِ مَعَ قلة النوم الْكَلْبِ وَسُرْعَةِ تَيَقُّظِهِ.

وَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، فدعت حاجة أصحاب الرزق إِلَى اقْتِنَائِهِ. وَفِي مَعْنَى أَصْحَابِ الزُّرُوعِ أَصْحَابِ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَالْكَرْمِ.

وَأَمَّا كَلْبُ الْمَاشِيَةِ فَهُوَ الْكَلْبُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى الْمَاشِيَةِ إِذَا رَعَتْ فَيَحْفَظُهَا مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ، فَدَعَتْ حَاجَةُ الرُّعَاةِ إِلَيْهِ فَجَازَ لَهُمُ اقْتِنَاؤُهُ، وَفِي مَعْنَى أَصْحَابِ الْمَوَاشِي أَصْحَابُ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ.

فَأَمَّا الْبَوَادِي وَسُكَّانُ الْخِيَامِ فِي الْفَلَوَاتِ فَيَجُوزُ لَهُمُ اقْتِنَاءُ الْكِلَابِ حَوْلَ بُيُوتِهِمْ لِتَحْرُسَهُمْ مِنَ الطُّرَّاقِ وَالْوَحْشِ، فَإِنَّ لِلْكِلَابِ عُوَاءً عِنْدَ رُؤْيَةِ مَنْ لَمْ يَأْلَفُوهُ يَنْتَبِهُ بِهِ أَرْبَابُهَا عَلَى الِاسْتِيقَاظِ وَحِرَاسَةِ الْبُيُوتِ. وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارِيًا أَوْ أَهْلَ بَيْتٍ مُفْرَدٍ، يَعْنِي الْبُيُوتَ الْمُفَرَّقَةَ فِي الصَّحَارِي.

وَفِي مَعْنَى أَصْحَابِ الْخِيَامِ مِنَ الْبَوَادِي أَهْلُ الْحُصُونِ وَالْبُيُوتِ الْمُفْرَدَةِ فِي أَطْرَافِ الرَّسَاتِيقِ وَهَكَذَا أَهْلُ الْقَوَافِلِ وَالرِّفَاقُ.

وَرُوِيَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَجَّ وَمَعَهُ كَلْبٌ فَقِيلَ لَهُ تَحُجُّ وَمَعَكَ كَلْبٌ فَقَالَ يَحْفَظُ عَلَيْنَا ثِيَابَنَا.

فَأَمَّا اتِّخَاذُ الْكِلَابِ لِحِرَاسَةِ الدُّورِ وَالْمَنَازِلِ فِي الْمُدُنِ وَالْقُرَى فَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>