للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ: وَلِأَنَّ الذِّمِّيَّ إِذَا نَقَضَ عَهْدَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَرَقَّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَجَازَ أَنْ يُسْتَرَقَّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، كَذَلِكَ وَلَدُ الْمُرْتَدِّ.

وَدَلِيلُنَا فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الدَّارَيْنِ فِي حُكْمِ الرِّدَّةِ: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إله إلا الله، فإذا قَالُوا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا) .

وَلَمْ يُفَرَّقْ فِيهِمْ بَيْنَ الدَّارَيْنِ.

وَلِأَنَّ حُكْمَ الدَّارِ مُعْتَبَرٌ بِأَهْلِهَا فَهِيَ تَابِعَةٌ وَلَيْسَتْ مَتْبُوعَةً.

وَلِأَنَّ مَنْ لَمْ يَجُزِ اسْتِرْقَاقُهُ إِذَا وُلِدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَجُزِ اسْتِرْقَاقُهُ إِذَا وُلِدَ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَالَّذِي أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ، وَمِنْ جَازَ اسْتِرْقَاقُهُ إِذَا وُلِدَ فِي دَارِ الْحَرْبِ جَازَ اسْتِرْقَاقُهُ إِذَا وُلِدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَوَلَدِ الْحَرْبِيِّينَ.

فَأَمَّا الْخَبَرُ فَمَحْمُولٌ عَلَى تَغْلِيبِ حُكْمِ الْعُمُومِ دُونَ الْخُصُوصِ.

وَأَمَّا نَاقِضُ الذِّمَّةِ فَلَمْ نَعْتَبِرْ نَحْنُ وَلَا هُمْ فِيهِ حُكْمَ الْوِلَادَةِ، وَجَازَ اسْتِرْقَاقُهُ وَسَبْيُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَجُزْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ عَلَيْنَا أَنْ نُبْلِغَهُ مَأْمَنَهُ [إِذَا نَقَضَ عَهْدَهُ فَلِذَلِكَ مَا افْتَرَقَ حُكْمُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارِ الْحَرْبِ وَخَالَفَ الْمُرْتَدُّ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُنَا أن نبلغه مأمنه] .

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: وَإِنِ ارْتَدَّ مُعَاهَدُونَ وَلَحِقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ وَعِنْدَنَا لَهُمْ ذَرَارِيٌّ لَمْ نَسْبِهِمْ وَقُلْنَا إِذَا بَلَغُوا لَكُمُ الْعَهْدَ إِنْ شِئْتُمْ وَإِلَّا نَبَذْنَا إِلَيْكُمْ ثُمَّ أَنْتُمْ حَرْبٌ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا: فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ أَقَامُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ عَقَدَهُ الْإِمَامُ لَهُمْ عَلَى نُفُوسِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ثُمَّ نَقَضُوا الْعَهْدَ وَلَحِقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ، وَخَلَّفُوا أَمْوَالَهُمْ وَذَرَّارِيَّهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، زَالَ الْأَمَانُ عَنْهُمْ، وَصَارُوا حَرْبًا يُقْتَلُونَ إِذَا قُدِرَ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ الْأَمَانُ بَاقِيًا فِي ذَرَارِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، لَا يَجُوزُ أَنْ تُسْبَى الذَّرَارِيُّ وَلَا تُغْنَمُ الْأَمْوَالُ، وَإِنْ كَانُوا فِي عَقْدِ الْأَمَانِ تَبَعًا. لِأَنَّ الْأَمَانَ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَهُ الْحَرْبِيُّ لِمَالِهِ دُونَ نَفْسِهِ، بِأَنْ يَكُونَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيَأْخُذُ أَمَانًا لِمَالٍ يَحْمِلُهُ إِلَى دار الإسلام لتجارة أو ديعة فَيَكُونُ الْمَالِكُ حَرْبًا يَجُوزُ أَنْ يُقْتَلَ، وَيَكُونُ مَالُهُ سِلْمًا لَا يَجُوزُ أَنْ يُغْنَمَ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَمَانَ لِنَفْسِهِ دُونَ مَالِهِ، فَيَكُونُ الْمَالِكُ سِلْمًا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْتَلَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>