بَابُ فِي تَدْبِيرِ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ وَلَمْ يبلغ
[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: (مَنْ أَجَازَ وَصِيَّتَهُ أَجَازَ تَدْبِيرَهُ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْمَحْجُورُ عَلَيْهِمْ فِي حُقُوقِ أَنْفُسِهِمْ ثَلَاثَةٌ: الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَالسَّفِيهُ.
فَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ تَصَرُّفٌ فِي قَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ فَلَا يُنَفَّذُ عِتْقُهُ، وَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُهُ، وَلَا وَصِيَّتُهُ. وَأَمَّا السَّفِيهُ فَتَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ مَاضٍ، كَالرَّشِيدِ فِي أَفْعَالِهِ وأَقْوَالِهِ، وَسَائِرِ عُقُودِهِ، فَيَصِحُّ عِتْقُهُ وَتَدْبِيرُهُ وَوَصِيَّتُهُ فَأَمَّا بَعْدَ وُقُوعِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ عِتْقُهُ، وَلَا كِتَابَتُهُ وَيَصِحُّ تَدْبِيرُهُ وَوَصِيَّتُهُ، لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ مَالِهِ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ مَا اسْتَهْلَكَهُ فِي حَيَاتِهِ، وَيَصِحُّ مِنْهُ مَا عَادَ بِمَصْلَحَةِ آخِرَتِهِ مِنْ تَدْبِيرِهِ وَوَصِيَّتِهِ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِرَشَادِهِ.
وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ عِتْقٌ، وَلَا كِتَابَةٌ وَلَا تَدْبِيرٌ، وَلَا وَصِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا مُرَاهِقًا، لَمْ يَصِحَّ عِتْقُهُ وَلَا كِتَابَتُهُ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِحِفْظِ مَالِهِ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: لِأَنَّ الْقَلَمَ غَيْرُ جَارٍ عَلَيْهِ.
فَأَمَّا تَدْبِيرُهُ وَوَصِيَّتُهُ فَفِي صِحَّتِهِمَا مِنْهُ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ مِنْهُ.
وَبِهِ قَالَ أَبُو حنيفة ومالك هو اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ تَعْلِيلًا بِارْتِفَاعِ الْقَلَمِ عَنْهُ، وَلِأَنَّهَا عَقْدٌ فَأَشْبَهَ سَائِرَ عُقُودِهِ، وَلِأَنَّهُ مُفْضٍ إِلَى الْعِتْقِ فَأَشْبَهَ مُبَاشَرَةَ عِتْقِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَصِحُّ تَدْبِيرُهُ وَوَصِيَّتُهُ تَعْلِيلًا بِإِفْضَائِهِمَا إِلَى مَصْلَحَتِهِ، وَلِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا أَتَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَأَلَتْهُ عَنْ غُلَامٍ يَافِعٍ وَالْيَافِعُ الْمُرَاهِقُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ، وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ وَصَّى لِابْنِ عَمِّهِ فَأَجَازَ عُمَرُ وَصِيَّتَهُ، وَلَيْسَ يُعْرَفُ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا، وَلِأَنَّ مَنْ صَحَّ تَمْيِيزُهُ لَمْ يُمْنَعِ الْحَجْرُ عَلَيْهِ مِنْ تَدْبِيرِهِ، وَوَصِيَّتِهِ كَالسَّفِيهِ. وَلِأَنَّ تَدْبِيرَهُ أَحْفَظُ لِمَالِهِ فِي حَيَاتِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute