وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ: يَجِبُ بِقَذْفِهِمَا حَدَّانِ لِأَنَّهُمَا مَقْذُوفَانِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَقَذَفَ زَوْجَتَهُ وَأَجْنَبِيَّةً بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَحُكْمُ قَذْفِهِمَا مُخْتَلِفٌ لِأَنَّ قَذْفَ زَوْجَتِهِ يَسْقُطُ بِاللِّعَانِ وَلَا يَسْقُطُ بِهِ قَذْفُ الْأَجْنَبِيَّةِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فله حالتان:
أحدهما: أَنْ يَلْتَعِنَ وَلَا يَسْقُطُ بِهِ قَذْفُ الْأَجْنَبِيَّةِ، فإذا كان كذلك فله حالتان: أحدهما: أَنْ يَلْتَعِنَ مِنْ زَوْجَتِهِ فَيَسْقُطُ بِهِ حَدُّ قَذْفِهَا وَيُحَدُّ لِلْأَجْنَبِيَّةِ، لِأَنَّ اللِّعَانَ كَالْبَيِّنَةِ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ دُونَ الْأَجْنَبِيَّةِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَالْأَجْنَبِيَّةُ تَبَعٌ لِزَوْجَتِهِ فِي الْقَذْفِ، فَهَلَّا سَقَطَ بِاللِّعَانِ حَقُّهَا فِي الْقَذْفِ كَمَا لَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِرَجُلٍ سَمَّاهُ فَسَقَطَ حَدُّهُمَا بِلِعَانِهِ وَلَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا لِكَوْنِهِ تَبَعًا.
قِيلَ: لِأَنَّ قَذْفَهُ لِلرَّجُلِ بِزَوْجَتِهِ هُوَ زِنَاءٌ وَاحِدٌ، فَإِذَا أَثْبَتَهُ بِاللِّعَانِ فِي حَقِّ زَوْجَتِهِ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَذْفُ زَوْجَتِهِ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَذْفٌ بِزِنَائَيْنِ فَلَمْ يُوجِبْ إِثْبَاتُ أَحَدِهِمَا ثُبُوتَ الْآخَرِ فَافْتَرَقَا.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَلْتَعِنَ مَنْ زَوْجَتِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي قَدْرِ مَا يُحَدُّ لَهُمَا، فَمِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ كَمَا لَوْ جَمَعَ فِي الْقَذْفِ بَيْنَ أَجْنَبِيَّيْنِ أَحَدُهُمَا حَدٌّ وَاحِدٌ وَالثَّانِي حَدَّانِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ يُحَدُّ بِهِ لَهُمَا حَدَّيْنِ قَوْلًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ؛ لِأَنَّ قَذْفَهُمَا مُتَسَاوِي الْأَحْكَامِ وَقَذْفَ زَوْجَتِهِ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ مُخْتَلِفُ الْأَحْكَامِ.
(مَسْأَلَةٌ)
قال الشافعي: " وَلَوْ قَذَفَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ لَهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لَاعَنَ كُلَّ وَاحِدَةٍ وَإِنْ تَشَاحَحْنَ أَيَّتُهُنَّ تَبْدَأُ أَقْرَعَ بَيْنَهُنَ وَأَيَّتُهُنَ بَدَأَ الْإِمَامُ بِهَا رَجَوْتُ أَنْ لَا يَأْثَمَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إِلَّا واحداً واحداً (قال المزني) رحمه الله قال في الحدود ولو قذف جماعة كان لكل واحد حد فكذلك لو لم يلتعن كان لكل امرأة حد في قياس قوله ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ قَذْفَ الْوَاحِدِ لِجَمَاعَةٍ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُفْرِدَ قَذْفَهُمْ.
وَالثَّانِي: أَنْ يُشْرِكَ بَيْنَهُمْ فَإِنْ أَفْرَدَ قَذْفَهُمْ وَقَذَفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِكَلِمَةٍ مُفْرَدَةٍ فَقَالَ: قَدْ زَنَيْتَ يَا زَيْدُ وَزَنَيْتَ يَا عَمْرُو، وَزَنَيْتَ يَا بَكْرُ، فَلَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَدًّا.
وَقَالَ مالك يحد لجميعهم حداً واحداً؛ لأن الزنما أَغْلَظُ مِنَ الْقَذْفِ فَلَمَّا تَدَاخَلَتْ حُدُودُ الزِّنَا فَأَوْلَى أَنْ تَتَدَاخَلَ حُدُودُ الْقَذْفِ، وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، وَحُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ إِذَا اجْتَمَعَتْ لَمْ تَتَدَاخَلْ كَالْقِصَاصِ وَالدُّيُونِ لما في