للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ، لِأَنَّهُ لَحِقَ بِهَا عَنْ عِلْمٍ، لَا عَنِ اجْتِهَادٍ، وَحُكْمُ الْوَلَدِ حُكْمُ أُمِّهِ، وَيَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ لِلْحُرَّةِ دُونَ الْأَمَةِ، وَالْمُسْلِمَةِ دُونَ الْكَافِرَةِ.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا أَشْكَلَ عَلَى الْقَافَةِ حُكْمُ الْوَلَدِ فِي تَنَازُعِ، وُقِفَ عَلَى إِثْبَاتِ الْوَلَدِ إِلَى أَحَدِهِمَا، كَمَا يُوقَفُ عَلَى إِثْبَاتِهِ إِلَى الْآخَرِ، أَوْ إِلَى أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ، لِأَنَّ الطَّبْعَ يُحَرِّكُ الْإِنْسَانَ، وَيَجْذِبُهُ فَلَوْ أَنَّ وَلَدًا تَنَازَعَ رَجُلَانِ فِيهِ، وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ، مِنْهُمَا أِنَّهُ أَخُوهُ مِنْ أَبِيهِ، فَإِنْ كَانَ أَبَوَاهُ بَاقِيَيْنِ لَمْ تُسْمِعْ دَعْوَاهُمَا، وَكَانَ أَبَوَاهُمَا أَحَقُّ بِالدَّعْوَى مِنْهَا، وَإِنْ كَانَا مَيِّتَيْنِ فَإِنْ وَرِثَهَا مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا لَمْ تُسْمِعْ دَعْوَاهُمَا، إِلَّا بِاجْتِمَاعِ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ أَنْكَرَهَا أَحَدُهُمْ بَطَلَتِ الدَّعْوَى وَإِنْ تَفَرَّدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِيرَاثِ أُمِّهِ، سُمِعَتْ دَعْوَاهُمَا، وَجَازَ أَنْ تُسْتَعْمَلَ الْقَافَةُ مَعَهُمَا عِنْدَ عَدَمِ الشَّبَهِ، فَإِنَّ الشَّبَهَ يَنْتَقِلُ مِنَ الآباءِ إِلَى الْأَبْنَاءِ، حَتَّى يَشْتَرِكَ بِهِ الْإخْوَةُ، فَإِذَا أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِإِخْوَةِ أَحَدِهِمَا، حُكِمَ بينهما بالأخوة كما يحكم بالنبوة، لِأَنَّ عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ ادَّعَى أَخًا مِنْ أُمِّهِ، وَأَبِيهِ، فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَعْوَاهُ، وَأَلْحَقَهُ بِهِ، أَخًا بِفِرَاشِ أَبِيهِ، فَقَالَ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ أَخًا، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، حِينَ نَازَعَهُ فِيهِ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَاصٍ عَنْ أَخِيهِ، لِأَنَهُ عاهر بأمه في الجاهلية.

هكذا لَوْ مَاتَ الْمُتَنَازِعَانِ فِي الْوَلَدِ، أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ حُكْمِ الْقَافَةِ جَمَعَ بَيْنَ الْوَلَدِ وَبَيْنَ مَنْ نَاسَبَ الْمُتَنَازِعَيْنِ، مِنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، كَالْبَنِينَ، وَالْبَنَاتِ، وَالْأُخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ، وَلَا يُخْتَصُّ بِالذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ، لِوُجُودِ الشَّبَهِ فِي الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَأَلْحَقَهُ الْقَافَةُ بِمَنْ كَانَ شِبْهَ أَقَارِبِهِ فيه، ونفوه عمن لم يكن شبه أَقَارِبُهُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّبَهُ فِي أَقْرَبِ مُنَاسِبِيهِ، أَوْ أَبْعَدِهِمْ لِأَنَّ عِرْقَ النَّسَبِ يَنْزِعُ إِلَى الْأَقَارِبِ وَالْأَبَاعِدِ عَلَى إِيجَادِ الشَّبَهِ، وَمِنَ الْآخَرِ فِي الْأَبْعَدِينَ، أُلْحِقَ بِمَنْ كَانَ شَبِهَ فِي الْأَقْرَبِينَ، دُونَ مَنْ كَانَ شَبَهُهُ فِي الْأَبْعَدِينَ، لِأَنَّ الشَّبَهَ فِي الْأَقْرَبِ أَقْوَى مِنَ الشَّبَهِ فِي الْأَبْعَدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>