لَهُ أَمَارَاتٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ يُعْلَمُ بِهَا وُجُودُهُ مِنْ عَدَمِهِ، فَإِذَا ادَّعَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ذَهَابَ سَمْعِهِ فَلِلْجَانِي حَالَتَانِ: تَصْدِيقٌ، وَتَكْذِيبٌ.
فَإِنْ صَدَّقَهُ عَلَى ذَهَابِ سَمْعِهِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى الِاسْتِظْهَارِ بالأمارات، وسأل عَنْهُ عُدُولُ الطِّبِّ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ أَمْ لَا؟ فَإِنْ نَفَوْا عَوْدَهُ حُكِمَ لَهُ بِالدِّيَةِ دُونَ الْقِصَاصِ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ وَإِنْ جَوَّزُوا عَوْدَهُ إِلَى مُدَّةٍ قَدَّرُوهَا وَجَبَ الِانْتِظَارُ بِالدِّيَةِ إِلَى انْقِضَاءِ تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَإِنْ عَادَ السَّمْعُ فِيهَا سَقَطَتِ الدِّيَةُ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ حَتَّى انْقَضَتِ اسْتَقَرَّ بِهَا ذَهَابُ السَّمْعِ، وَاسْتَحَقَّ بِهَا دَفْعَ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَذَّبَ الْجَانِي عَلَى ذَهَابِ السَّمْعِ اعْتُبِرَ صِدْقُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، لِتَعَذُّرِ الْبَيِّنَةِ فِيهِ بِالْأَمَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُتَغَفَّلَ ثُمَّ يُصَاحُ بِهِ بِأَزْعَجِ صَوْتٍ وَأَهْوَلِهِ يَتَضَمَّنُ إنذار أو تحذير، فَإِنْ أُزْعِجَ بِهِ وَالْتَفَتَ لِأَجْلِهِ، أَوْ أَجَابَ عَنْهُ دَلَّ عَلَى بَقَاءِ سَمْعِهِ، فَصَارَ الظَّاهِرُ مَعَ الْجَانِي، فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الْجَانِي مَعَ يَمِينِهِ بِاللَّهِ أَنَّ سَمْعَهُ لَبَاقٍ مَا ذَهَبَ مِنْ جِنَايَتِهِ، وَلَوِ اقْتَصَرَ فِي يَمِينِهِ عَلَى أَنَّهُ بَاقِي السَّمْعِ أَجْزَأَ، وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى أَنَّ سَمْعَهُ مَا ذَهَبَ بِجِنَايَتِهِ، لَمْ يُجْزِهِ، لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى ذَهَابِ السَّمْعِ وَبَقَائِهِ لَا ذَهَابِهِ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا حَلَفَ الْجَانِي مع ظهور الأمارة في جنيته لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ إِزْعَاجُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِالصَّوْتِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَصْوَاتِ الْمُزْعِجَةِ فِي أَوْقَاتِ غَفَلَاتِهِ غَيْرُ مُنْزَعِجٍ بِهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى ذَهَابِ سَمْعِهِ، فَصَارَ الظَّاهِرُ مَعَهُ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي ذَهَابِ سَمْعِهِ مِنْ جِنَايَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ جِنَايَتِهِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِالدِّيَةِ لِجَوَازِ ذَهَابِهِ بِغَيْرِ جِنَايَتِهِ، وَلَزِمَهُ الْيَمِينُ مَعَ وجود الأمارات في جنيته لِجَوَازِ أَنْ يَتَصَنَّعَ لَهَا بِذَهَابِهِ وَجَلَدِهِ، وَلَا يُقْتَصَرُ بِهَذِهِ الْأَصْوَاتِ الْمُزْعِجَةِ عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ لِجَوَازِ التَّصَنُّعِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ جِهَاتٍ وَفِي أَوْقَاتِ الْخَلَوَاتِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ زَوَالَ السَّمْعِ بِهَا، فَإِنَّ الطَّمَعَ يَظْهَرُ مِنْهَا فَيَزُولُ مَعَهُ التَّصَنُّعُ.
(فَصْلٌ)
وَإِذَا ادَّعَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ صَمَمَ إِحْدَى أذنيه سدت سميعته بِمَا يَمْنَعُ وُصُولَ الصَّوْتِ فِيهَا، وَأُطْلِقَتْ ذَاتُ الْجِنَايَةِ، وَأُزْعِجَ فِي غَفَلَاتِهِ بِالْأَصْوَاتِ الْهَائِلَةِ، فَإِنِ انْزَعَجَ بِهَا كَانَ سَمْعُهُ بَاقِيًا بِظَاهِرِ الْأَمَارَةِ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي بَقَائِهِ قَوْلَ الْجَانِي مَعَ يَمِينِهِ، [فَإِنْ لَمْ يَنْزَعِجْ بِهَا كَانَ سَمْعُهَا ذَاهِبًا بِظَاهِرِ الْأَمَارَةِ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي ذَهَابِهِ قَوْلَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ] وَيَكُونُ عَلَى الجاني نصف الدية، لأنه قد أذهب بضمها نِصْفَ مَنْفَعَةٍ، فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ تَسْمَعُ الْأُخْرَى مَا كَانَ يُدْرِكُهُ بِهَا.
قِيلَ: لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنَ الِاسْتِحْقَاقِ لِلدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ الْإِدْرَاكُ بَاقِيًا، كَمَا لَوْ أَذْهَبَ ضَوْءَ إِحْدَى عَيْنَيْهِ لَزِمَهُ دِيَتُهَا وَإِنْ كَانَ يُدْرِكُ بِالْبَاقِيَةِ مَا كَانَ يُدْرِكُهُ بِهِمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute