للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا تَقَرَّرَ جَوَازُ فِعْلِهَا إِلَى الْيَوْمِ فَلَا تَأْثِيرَ لِلْخَوْفِ فِي إِسْقَاطِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ بَلْ يُصَلِّيهَا أَرْبَعًا إِنْ كَانَ مُقِيمًا أَوْ رَكْعَتَيْنِ إِنْ كَانَ مُسَافِرًا، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي صِيَانَتِهَا وَتَغَيُّرِ صِفَةِ أَدَائِهَا وَحُكِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي السفر ركعة وبه قال الحسن وطاوس استدلال بِظَاهِرِ الْآيَةِ وَبِرِوَايَةِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: " فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً ". قَالُوا وَلِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ شَطْرُ الصَّلَاةِ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ، وَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ بِالْخَوْفِ شَطْرٌ آخَرُ لِتَزَايُدِ الْمَشَقَّةِ.

وَدَلِيلُنَا مَا نُقِلَ من فعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْأَمَاكِنِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى مَا سَيَأْتِي شَرْحُهُ. فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولا عن أحد فمن مَعَهُ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى رَكْعَةٍ مَنْ فَرْضِهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْقُطَ مَا ثبت بالشرع إجماعا بما يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ وَلَا انْعَقَدَ بِهِ الْإِجْمَاعُ وَلِأَنَّ الْمَأْمُومَ إِذَا سَاوَى الْإِمَامَ فِي صِفَتِهِ وَحَالِهِ سَاوَاهُ فِي قَدْرِ الصَّلَاةِ وَكَيْفِيَّتِهَا كَمَا لَوْ كَانَا حَاضِرَيْنِ أَوْ مُسَافِرَيْنِ فَلَمْ يَجُزْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى رَكْعَةٍ وَإِنْ كَانَ خَائِفًا لَمْ يَجُزْ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى رَكْعَةٍ إِذَا كَانَ خَائِفًا.

الْجَوَابُ: أَمَّا الْآيَةُ فَلَيْسَ فِي ظَاهِرِهَا دَلَالَةٌ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَمْ يَنْقُلْ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِنَّمَا رَوَى ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ وَمَا نَقَلْنَاهُ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خِلَافَهُ فَلَمْ يَلْزَمْ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنَ السَّفَرِ أَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ بِهِ شَطْرُ الصَّلَاةِ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ كَذَلِكَ بِالْخَوْفِ: فَيَبْطُلُ بِالْإِمَامِ، عَلَى أَنَّ لِلْخَوْفِ تَأْثِيرًا فِي الصَّلَاةِ إِذَا اشْتَدَّ لِأَنَّهُ يُصَلِّي رَاكِبًا وَنَازِلًا إِلَى قِبْلَةٍ أَوْ إِلَى غَيْرِ قِبْلَةٍ حَسَبَ الْإِمْكَانِ.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْخَوْفَ لَا يُسْقِطُ مِنْ عَدَدِ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ شَيْئًا، انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ وَصِفَةِ أَدَائِهَا، فَإِذَا كَانَ الْعَدُوُّ غَيْرَ مَأْمُونٍ وَقَدِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ بِوَجْهِهِ وَاسْتَدْبَرَهَا الْمُسْلِمُونَ وَلَمْ يَأْمَنِ الْإِمَامُ نِكَايَةَ الْعَدُوِّ إِنْ وَلَّاهُ ظَهْرَهُ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرِّقَ أَصْحَابَهُ فَرِيقَيْنِ: فَرِيقٌ تُجَاهَ الْعَدُوِّ وَيُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَةً، فَإِذَا قَامَ إِلَى الثَّانِيَةِ فَارَقُوهُ وَأَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِذَا فَرَغُوا وَقَفُوا تُجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ تِلْكَ الطَّائِفَةُ فَصَلَّى الْإِمَامُ بِهَا الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ قَامُوا فَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ وَالْإِمَامُ جَالِسٌ فِي التَّشَهُّدِ يَنْتَظِرُهُمْ، فَإِذَا فَرَغُوا مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ سَلَّمَ بِهِمْ وَهَذِهِ صلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِذَاتِ الرِّقَاعِ رَوَاهَا الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَنْ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ بِذَاتِ الرِّقَاعِ وَوَصَفَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَرَوَاهُ صَالِحُ بْنُ خَوَّاتٍ عَنْ سَهْلِ بن أبي خيثمة أَيْضًا.

وَقَالَ أبو حنيفة: يُصَلِّي بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ ركعة ثم تمضي فتقف بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ ثُمَّ يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَةً وَيُسَلِّمُ، ثُمَّ تَمْضِي هَذِهِ الطَّائِفَةُ وَتَقِفُ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ ثُمَّ تَخْرُجُ تِلْكَ فَتُتِمُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>