قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ مَالِكٌ لِكَسْبِهِ غَيْرَ أَنَّ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ حَجْرًا، وَلَا يَصْرِفُ مَا بِيَدِهِ إِلَّا فِي أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: فِي دَيْنٍ يُسْتَحَقُّ.
وَالثَّانِي: فِي طلب فضل يستزاد.
والثالث: في مؤونة لَا يُسْتَغْنَى عَنْهَا.
فَأَمَّا الدَّيْنُ فَنَوْعَانِ: مُرَاضَاةٌ، وَإِكْرَاهٌ.
فَأَمَّا دَيْنُ الْمُرَاضَاةِ فَكَالْإِجَارَاتِ، وَالْقُرُوضِ.
وَأَمَّا دَيْنُ الْإِكْرَاهِ فَكَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ، فَعَلَيْهِ أَدَاؤُهَا مَعًا، وَهُمَا سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِئْذَانُ السَّيِّدِ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَأَمَّا طَلَبُ الْفَضْلِ، فَقَدْ يَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ: تِجَارَةٌ، وَعَمَلٌ.
فَأَمَّا التِّجَارَةُ، فَتَكُونُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فَلَا اعْتِرَاضَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ فِيمَا بَاعَهُ وَاشْتَرَاهُ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ مُغَابَنَةٌ.
وَأَمَّا الْعَمَلُ فَهُوَ احْتِرَافُهُ بِيَدَيْهِ فِي أَنْوَاعِ الْمَكَاسِبِ، وَلَا اعْتِرَاضَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ إِذَا تَصَدَّى لَهُ، وَلَا يُجْبِرُهُ عَلَيْهِ إِنْ قَعَدَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى الِاكْتِسَابِ، كَمَا لَيْسَ لَهُ أن يمنعه منه.
وأماما لا يستغنى عنه من المؤن فنوعان: مؤونة تثمير ماله، ومؤونة لحراسة نفسه، فأما مؤونة التَّثْمِيرِ فَكَسَقْيِ الزُّرُوعِ، وَعَلُوفَةِ الْمَوَاشِي، وَنَقْلِ الْأَمْتِعَةِ.
وأما مؤونة نَفْسِهِ، فَكَالَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَأْكُولِهِ ٥ وَمَلْبُوسِهِ أَوْ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنْ زَوْجَةٍ وولد، ولا اعتراض للسيد عليه في كلي المؤونتين مَا لَمْ يَخْرُجْ فِيهِمَا إِلَى حَدِّ السَّرَفِ.
فَأَمَّا نَفَقَتُهُ فِي مَلَاذِّهِ فَمَا كَانَ مِنْهَا مَعْهُودًا بِمِثْلِهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ، وَمَا خَرَجَ عَنِ الْمَعْهُودِ مُنِعَ مِنْهُ.
فَصْلٌ
فَإِذَا ثَبَتَ نُفُوذُ تَصَرُّفِهِ فِيمَا وَصَفْنَاهُ، فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِيمَا عَدَاهُ مِنْ هِبَةٍ، أَوْ مُحَابَاةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بِرٍّ، فَإِنْ وَهَبَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ كَانَ مَرْدُودَ الْهِبَةِ، وَإِنْ وَهَبَ بِإِذْنِهِ فَفِي صِحَّةِ هِبَتِهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَأَكْثَرِ كُتُبِهِ أَنَّ الْهِبَةَ صَحِيحَةٌ مَاضِيَةٌ، لِأَنَّ