قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ الْحُرَّةِ إِذَا اسْتَبْرَأَتْ، وَحُكْمَ أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا اسْتَبْرَأَتْ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْأَمَةِ إِذَا اسْتَبْرَأَتْ لَا يَخْلُو حَالُهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَظْهَرَ الرِّيبَةُ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ الِاسْتِبْرَاءِ، فَتَكُونَ مُحَرَّمَةً عَلَى الْمُشْتَرِي حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ لِغَيْرِهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَظْهَرَ الرِّيبَةُ بعد الاستبراء، وبعد إصابة المشتري فلا ففي يحرم عَلَيْهِ إِصَابَتُهَا، لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ لَهُ بِالْإِصَابَةِ فِرَاشًا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَظْهَرَ الرِّيبَةُ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَقَبْلَ إِصَابَةِ الْمُشْتَرِي فَفِي تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أنها حَلَالٌ لَهُ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ حَمْلُهَا.
(مَسْأَلَةٌ)
قال الشافعي رضي الله عنه: " فَلَا يَحِلُّ لَهُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ التَّلَذُّذُ بِمُبَاشَرَتِهَا ولا نظر بشهوة إلهيا وَقَدْ تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لِغَيْرِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا وَجَبَ اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ عَلَى مَنِ اسْتَحْدَثَ مِلْكَهَا حَرُمَ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ وَطْؤُهَا لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ هُوَ اعْتِزَالُ الْوَطْءِ سَوَاءٌ مَلَكَهَا عَنْ شِرَاءٍ أَوْ سَبْيٍ، فَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا عَدَا الْوَطْءِ مِنَ الْقُبْلَةِ وَالْمُلَامَسَةِ وَالتَّلَذُّذِ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ فَمُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْحَمْلِ إِنْ ظَهَرَ بِهَا هَلْ تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ لِمَنْ كَانَ مَالِكَهَا، فَإِنْ كَانَتْ تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهَا مُشْتَرَاةٌ مِنْ مَالِكٍ كَانَتْ لَهُ فِرَاشًا أَوْ مَوْرُوثَةً عَنْهُ أَوْ مُسْتَوْهَبَةً مِنْهُ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّلَذُّذُ بمباشرتها، والنظر إليها لشهرة كما يحرم عليه وطئها لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ لِغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَصِيرُ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ كَالْمَسْبِيَّةِ وَالْحَامِلِ مِنْ زِنًا فَفِي تَحْرِيمِ التَّلَذُّذِ بِمُبَاشَرَتِهَا وَمَا دُونُ الْفَرَجِ مِنْهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ تَبَعًا لِلْوَطْءِ كَالْمُشْتَرَاةِ مِنْ ذِي فِرَاشٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَحْرُمُ، لِأَنَّ الْمُشْتَرَاةَ تَصِيرُ بِالْحَمْلِ أُمَّ وَلَدٍ لِغَيْرِهِ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَحَرُمَتْ قَبْلَهَا، وَالْمَسْبِيَّةُ وَالزَّانِيَةُ لَا تَصِيرُ بِحَمْلِهَا أُمَّ وَلَدٍ لِغَيْرِهِ، وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَإِنَّمَا يَسْتَبْرِئُهَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ بِمَائِهِ مَاءُ غَيْرِهِ، فَإِذَا اجْتَنَبَ الْوَطْءُ حَلَّ لَهُ مَا عَدَاهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: وَقَعَ فِي سَهْمِي جارية من سبي جلولاء فرأيت لها عتقا كَإِبْرِيقِ الْفِضَّةِ فَمَا تَمَالَكْتُ أَنْ قَبَّلْتُهَا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا لَامْتَنَعَ مِنْهُ وَلَأَنْكَرَهُ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَهَكَذَا إِذَا وُطِئَتْ زَوْجَةٌ بِشُبْهَةٍ، وَلَزِمَهَا الِاعْتِدَادُ مِنْ وَطْئِهِ حَرُمَ عَلَى زَوْجِهَا وَطْؤُهَا فِي عِدَّةِ الشُّبْهَةِ، وَفِي تَحْرِيمِ التَّلَذُّذِ بِمَا دون الوطء
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute